صفوق الشمري

نحن لا نضع كل الاعتماد على الرقابة الداخلية أو الحوكمة، فأنت تحتاج من وقت لآخر لأفكار وآراء مختلفة ومن خارج صندوق الطاقم أو التيار السائد، نحتاج نقدا منطقيا كحاجتنا للعمل

«لا حاجة لي بصديق يتغير عندما أتغير، ويهز رأسه عندما أهز رأسي، ظلي يفعل ذلك بشكل أفضل».. ني بلوتاركس فيلسوف ومؤرخ يوناني.
في كل حكومات العالم المؤثرة عبر التاريخ غالبا ما يوجد تياران بينهما اختلاف في الرؤية وشبه نقاش، مما ينتج آراء تجمع الحسنيين من أفكار التيارات، أو على الأقل تعدل من وجهة نظر التيار المسيطر، إن أفضل معادلات الحكم التاريخية كانت عندما يكون القائد أو المسؤول يضع هذه الاختلافات والتنافس تحت عباءته ونظره، ويحصل على أفضل ما فيهم من أفكار، وفي الأخير يكون الرأي النهائي له، ما دام أن المناظرة بين التيارات لا تعطل أو تأخر عجلة تنمية البلد (تحت السيطرة)، فهي ظاهرة صحية. أعظم رؤساء أميركا عبر التاريخ إبراهم لينكولن كان مستمعا من الطراز الأول حتى سمي (القائد الأعلى للمستمعين)، على وزن لقب الرئيس الأميركي (القائد الأعلى للقوات).
الملاحظ حاليا أن كثيرا من المسؤولين في الحكومة يحضرون طاقمهم الذين تعودوا عليه عندما ينتقلون من منصب لآخر، وهو شيء جيد في نظر الكثيرين، لأن هذا الطاقم الذي يفهم المسؤول جيدا ويثق فيهم، وأيضا شيء من الولاء، خصوصا إذا أراد الإنجاز بسرعة، وقد لا يتسع وقته لطاقم جديد لتدريبهم ولفهمهم إستراتيجيته، وفي المقابل هناك رأي آخر قوي يقول إن هذا الأسلوب ينتج عنها ابتعاد عن الإبداع والتفكير خارج الصندوق، لأن الطاقم تشبعوا بطريقة المسؤول لسنوات، وأيضا يقتل فرصة اكتشاف الجيل الجديد، وهذا أيضا عمل حكومي وليس خاصا، فتغيير الدماء مطلوب لعمل الحكومات أو العمل العام. 
لاحظنا في الفترة الأخيرة قلة في النقد العام، صحيح أن كلنا متحمسون جدا لرؤية 2030، لكن نحتاج أيضا من وقت لآخر النقد وسماع تيارات أخرى لتحسين وتعديل المسار، نحتاج شيئا من النقاش والمناظرات للوصول لأفضل الطرق الممكنة لتنفيذ الرؤية، دعوني أبدأ بنقد بعض الزملاء والأصدقاء الإعلاميين والصحفيين، عندما يأتي الخبر من المسؤول أو الجهة فإنه ينقله كما هو (انسخ والصق)، دون تعب أو مجهود أو سؤال، للدرجة أنك تجد عدة وسائل إعلامية 7-8 تنقل الخبر نفسه بدون إضافة معلومة واحدة مفيدة، أيها الإعلامي العزيز أنت لست موظف علاقات عامة عند الجهة أو الوزارة، يجب أن تضيف لونك، إذا كل إعلامي سأل المسؤول، أعطني شيئا خاصا أو حصريا لصحيفتي، حتى لو معلومة بسيطة، مع الوقت سنجد قصة متكاملة مؤثرة ومتماسكة بدل التعليب الحاصل حاليا.
حتى المسؤول مع الوقت يدخل فيما يشبه (إيكو شامبر)، وهذه مشكلة كبيرة، لأنه لا يسمع نقدا أو نقاشا أو وجهات نظر مختلفة، فيعتقد أن هناك إجماعا على الفكرة، وهنا يحصل شبه انفصام عن الواقع، أو ما يسميه الناس البرج العاجي، والمسؤول لا يعلم أو يحس، وهنا تأتي خطورة الإيكو شامبر، ولذلك يجب تلقيح الأفكار بأفكار مختلفة ووجهات نظرة متعددة. 
حتى على مستوى قوانين الطبيعة والحياة النباتات تلقح بحبوب مختلفة للحصول على منتجات أجود، والخيول ربما تلقح بفصائل مختلفة للحصول على الأفضل، لا داعي للخوف من الاختلاف، وكذلك الأفكار والنقد. 
سأضرب مثالا على نطاق صغير، لكن ممكن تعميمه على نطاق أوسع، أحد الزملاء تجمعنا به عضوية بعض اللجان لو أقول يمين يقول شمال وغالبا معارض، فتم تأسيس لجنة تنفيذية لموضوع معين، وعينت رئيسا لها، وتم تعيين كثير من الأعضاء من هم يحملون نفس الأفكار ونفس وجهات النظر، فطلبت من الرئيس أن يعين هذا الزميل معنا في اللجنة، تردد كثيرا الرئيس، وقال أنتم في اللجان الأخرى على طرفي نقيض فكيف تطالب به عضوا، حاولنا بشتى الطرق حتى وافقوا على تعيينه عضوا، البعض فسر الموضوع أني كنت أريد أن أضعه تحت جناحي، لكن أردت سماع آراء أخرى، لأن الغالبية كانت تتبنى نفس الأفكار، وفعلا ما كذب خبر كان «نشبة بمعنى الكلمة»، الجيد فيه أنه يجد تفسيرا لآرائها حتى لو كانت نادرة وغريبة، قد نوافق أو لا توافق، لكنه في الأخير رأي مختلف، كثير من الأمور تعدلت بسبب ملاحظاته الغريبة بعض الشيء، بعض أعضاء اللجنة بدؤوا باللوم أني أحضرته، فكان ردي ما دام نحن ملتزمون بالجدول الزمني الذي وضعناه فلا مانع ولو طال النقاش، صراحة كانت النتائج ممتازة، ومن أفضل اللجان دقة وإنتاجية، لأننا غطينا حتى سيناريوهات نادرة الحدوث جدا، الزميل جالس لنا «استقعاد!». 
لست أطالب هنا بالنظرة التشاؤمية أو إيجاد محبطين ليس لهم عمل إلا الانتقاد، لكن أطالب بالاختلاف، من الممكن أن يكون أغلبنا يرى اللوحة من زاوية معينة، وهناك أناس قليلون يرون اللوحة من زاوية أخرى، هذا لا يعني أننا على حق وأنهم على خطأ أو العكس، بل يعني إذا أردت أن ترى اللوحة من جميع الزوايا (360 درجة) فاستمع لجميع الآراء من مختلف التوجهات، وهذه هي وظيفة القائد اتخاذ القرار المناسب بعد الاستماع لجميع الآراء.
لقد تفاجأت كثيرا وتأسفت أكثر عندما سمعت أحد كبار المستشارين لمسؤول يقول لمدير مكتب المسؤول قبل أن يدخل على المسؤول، معالي المسؤول يميل إلى أي رأي بخصوص أحد المواضيع، فإذا بمدير المكتب يشرح له أن يميل للرأي الفلاني، صراحة قد أجد بعض العذر للمسؤول أن يأتيه ما يشبه (إيكو شامبر)، أو حتى (سوبر إيغو) الجميع يردد ما يقوله في محاولة إسعاد وكسب ود وحظوة! وهذا ونحن نتكلم على مستشارين متعلمين وذوي معرفة، فما بالكم طبعا من التطبيل الرخيص لبعض صغار المسؤولين وبعض الأدعياء الطفيليين الذين يدعون أنهم ينتمون للإعلام.
لما لا ننمي ثقافة الاعتراف بالأخطاء، ونجعلها صفة إيجابية، بالنسبة لكثيرين ولي شخصيا أعتبر أن الاعتراف بالأخطاء دليل شجاعة وحكمة، ودليل على العمل، (لا أخطاء يعني لا عمل) نقطة آخر السطر، الآن ديدن كثير من المسؤولين النفي القاطع لأي خطأ، بينما لو تلاحظ مقابلات سمو ولي العهد في الصحافة العالمية أنه دائما ما يذكر الأخطاء، لذلك كلامه كان مؤثرا ومقنعا، كمثال عندما سألوه عن حرب اليمن قال إنه هناك بعض الأخطاء غير المقصودة لأنها حرب، وهذه طبيعة الحرب، شيء مقنع من أنه لو جاء مسؤول ونفى الأخطاء بتاتا، لما اقتنع أحد لأنه لا توجد حرب بالتاريخ بدون أخطاء، لا أعرف سبب حساسية بعض المسؤولين من النقد، أنت أولا وآخرا بشر يخطئ ويصيب، أنا أستغرب مثلا أنه لا يوجد كثير من النقد لبعض الجهات التي ساء أداؤها مؤخرا مثل الجامعات والسفارات. من حق المسؤول عليك النقد والنقاش والاختلاف المنطقي، حتى يتنبه ومن ثم تصل للأفضل، نحن نسير كقطار بسرعة هائلة باتجاه رؤية 2030، ونحتاج بين المحطات للتوجيه والتعديل للمسار، حتى عندما وضعت رؤية 2030 لم يخطر ببال أحد أنها ستبقى كما هي، بل ستتعدل مع الوقت، فهي خارطة طريق ديناميكية قابلة للتجديد والتعديل، والأهم النتائج. 
نحن لا نضع كل الاعتماد على الرقابة الداخلية أو الحوكمة، فأنت تحتاج من وقت لآخر لأفكار وآراء مختلفة ومن خارج صندوق الطاقم أو التيار السائد، نحتاج نقدا منطقيا كحاجتنا للعمل، ليس نقدا لمجرد النقد، ولا محبطين لمجرد الإحباط وليس كليا (نشبة) مثل زميلي الذي ذكرته في المقال، ولكن أمة وسطا.