فهد الأحمري

السعودية أضحت جامعة عالمية تهرع لها الوفود الدولية للاطلاع على تجربتها الناجحة في مواجهة الإرهاب، والذي بإمكاننا تقديمه، فنيا، على المسارح ودور السينما العالمية

مطلع هذا الشهر (أبريل) 2018، طالعنا الخبر من فرنسا بتوقيع معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد اتفاقا، سعوديا فرنسيا، مع دار الأوبرا في باريس، لمساعدة السعودية لإنشاء أوركسترا وطنية ودار للأوبرا، بمناسبة زيارة ولي العهد لفرنسا.
وفي مطلع نفس الشهر (أبريل) 2017 كانت الرياض على موعد مع أول أوركسترا تعرض في السعودية بقيادة فرقة يابانية بمناسبة الأسبوع الثقافي الياباني في الرياض.
ورغم حداثة هذا الفن، الأوركسترا، على الإنسان السعودي، والذي لا نعرفه إلا من خلال الشاشات الفضائية وقلة الاهتمام به- حتى على مستوى العالم العربي-، لكونه فناً نخبويا يخاطب فئة لديها اطلاع خاص وثقافة تراكمية بالموسيقى، إلا أن تلك المناسبة في الرياض كانت، بحق، تاريخية. كان الحضور من الجمهور السعودي بحجم الحدث، حيث تناغم مع العرض وتفاعل كثيرا خاصة وأن الفرقة افتتحت الأمسية بأداء النشيد الوطني السعودي.
«نحمد الله جت على ما نتمنى، من ولي العرش جزل الوهايب. خـبّر الـلي طـامع في وطنا دونـها نـثني الى جا الطلايب»، مطلع شهير لكلمات من العرضة السعودية التي نشاهدها كثيرا، إلا أن المفاجأة كانت في اليوم الوطني السعودي الـماضي حين شاهدنا العرضة الوطنية -على نحو غير مسبوق- بنكهة عصرية أوركسترالية، تمازج فيها الكلاسيك العصري مع لون الفلكلور المحلي العريق، والتي قدمتها مؤسسة مسك الخيرية، ولاقى العمل تفاعلا واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي.
أجزم بأن لدينا فنونا وطنية جميلة، القديم منها والحديث، والتي ظُلمت كثيراً بسبب ظروف ثقافية واجتماعية معينة، غير أن الغمة انقشعت الآن وعادت الحياة الطبيعية وتهيأت الظروف. الفنون السعودية، بزخمها الهائل، لو قُدمت للعالم بشكل يليق بها من خلال أوركسترا وأوبرا وغيرها على مسارح العالم، بدعم حكومي، لجعلت المملكة العربية السعودية ضمن مقدمة الدول في مجالات الثقافة والفنون، ولتغيرت الصورة النمطية للوطن من مجرد صحراء وآبار نفط وتزمت فكري. 
حين قرأت خبر تعاون فرنسا مع السعودية لإنشاء أوركسترا وأوبرا، تبادر لذهني الموروث الفني الهائل من شرق وغرب وشمال وجنوب ووسط بلدي، حين نقوم بتقديمه للعالم بالسيمفونية الأوركسترية الرائعة.
تخيّلت الطرب الينبعاوي الأصيل في أغانيه البهية، يُقدّم بطريقة الأوركسترا مثل:
حنا طلبنا الله يابو الجود سامحنا
واغفر ذنوبنا يا عظيم الشان
يا قاضي الحاجات تقضي حاجة المظلوم
والخير مقبل بخت منهو ياخذ المقسوم
وفي وسط المملكة، تخيلت، أيضا، القصة الحقيقية الملهمة والتي رسمتها لنا الشاعرة النجدية نورة الحوشان في لوحة شعرية تأخذ بمجامع القلوب، لو أنها عرضت بطريقة الأوبرا العالمية والتي تقول:
ياعين هلي صافي الدمع هليه
وإلى قضى صافيه هاتي سريبه
ياعين شوفي زرع خلك وراعيه
هذي معاويده وهذا قليبه
امنول خلي قريب ونرجيه
واليوم جيتهم علينا تعيبه
يمرني بالدرب مقدر أحاكيه
مصيبة ياكبرها من مصيبه
اللي يبينا عيّت النفس تبغيه
واللي نبي عيا البخت لا يجيبه


وفي الحجاز، يحدثنا بعض مؤرخي الفنون أن أصل ومقومات الغناء العربي مستلهمان من الفن الحجازي، كما يؤكد ذلك الباحث في تاريخ مكة المكرمة حسام عبدالعزيز مكاوي. يشير حسام في مقاله المنشور بصحيفة مكة، تأكيد الأصفهاني أن فن الغناء العربي نبع من الحجاز: «أصل الغناء أربعة نفر: مكيان ومدنيان، فالمكيان ابن سريج وابن محرز، والمدنيان معبد ومالك». انتهى.
بإمكاننا توظيف الفن الحجازي العريق على المسارح الدولية لننقل إلى العالم وصفا لمجالس السمر بين الناس وحفلات وموروث أهل الحجاز، وملابسهم والمراكب التي يستخدمونها وآلات طربهم ورحلاتهم وعاداتهم وأخلاقهم. ينطبق الأمر كذلك على بقية مناطق المملكة الغنية بالتاريخ الثقافي والفنون المميزة. 
وفي الجانب الروحاني، نقوم بتوظيف العمل المسرحي والسينمائي بأشكاله المتنوعة لنقل الصورة الحقيقية للعمل الجبار الذي تقوم به المملكة العربية السعودية، لخدمة ملايين الحجاج والمعتمرين والزائرين للحرمين الشريفين وإدارة تلك الحشود على مدار السنة، وتقديمه من خلال أعمال فنية على مسارح الأوبرا العالمية ومهرجان كان وطوكيو وبرلين السينمائي وغيرها.
وفي الجانب الأمني، نجد السعودية أضحت جامعة عالمية تهرع لها الوفود الدولية للاطلاع على تجربتها الناجحة في مواجهة الإرهاب، والذي بإمكاننا تقديمه، فنيا، على المسارح ودور السينما العالمية.
إنني على يقين بأننا سنحقق عدة مكاسب عالمية في هذا المجال، منها التعريف بوطننا بأسلوب ثقافي فني تفهمه كل لغات العالم، فضلا عن حصد جوائز عالمية ثقافية وفنية تُعد انتصارا حقيقيا للوطن، يواكب مركزها وثقلها الديني والسياسي والاقتصادي. 
بطولة كأس العالم المقبلة في روسيا، قد تكون فرصة عظيمة جدا لتقديم أعمال ثقافية وفنية سعودية بمناسبة مشاركة منتخبنا الوطني، ومن خلال هذا الحدث الكبير، سوف نساهم في تقديم الموروث الهائل للمملكة العربية السعودية.