أحمد يوسف أحمد

عقد قطاع فلسطين والأراضي العربية المحتلة بجامعة الدول العربية، الثلاثاء الماضي، ندوة عن «الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي في أرض فلسطين المحتلة». وقد يتصور البعض أن هذه الأنشطة باتت عملاً روتينياً لا يقدم ولا يؤخر، بينما تظهر متابعتها أنها إذا أُحسن الإعداد لها تؤدي وظيفة بالغة الأهمية في زيادة الوعي بالخطر وتسليط الضوء على النضالات الباسلة للشعب الفلسطيني، ومن ثم توليد الأفكار المبدعة لدعم هذه النضالات، وقد كان هذا هو حال هذه الندوة التي قدم لها الدكتور سعيد أبو علي الأمين العام المساعد ورئيس القطاع، فألقى الضوء على أهميتها وعرف بموضوعاتها والمتحدثين فيها، ثم قدم الوزير وليد عساف رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بالسلطة الفلسطينية، الذي بدأ بتأكيد الطبيعة الاستيطانية المتجذرة للمشروع الصهيوني منذ بدايته وخلص من ثم إلى غياب أي مشروع حقيقي للسلام من قِبَل إسرائيل، إذ لا يعدو الأمر كونه مجرد مناورات قد تتغير مع تبدل الأحزاب الحاكمة، لكن المشروع الصهيوني يبقى ثابتاً وهو دولة يهودية تجعل إسرائيل من الاعتراف بها شرطاً للتفاوض، ثم استعرض توحش الأنشطة الاستيطانية وابتكار الآليات الجديدة الداعمة لها كما في إنشاء الجدار العنصري العازل وحفر الخنادق لعزل الأغوار المستهدفة بالضم. ثم عرض للنضالات الفلسطينية في مواجهة السياسات الإسرائيلية التي تتغول في هدم المنازل والمدارس، وبالذات في المنطقة (ج) حيث يقوم الفلسطينيون على الفور بإعادة البناء في أوقات قياسية.

ثم تحدث محمد الياس، المستشار في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وهو مناضل قضى ربع قرن أسيراً في السجون الإسرائيلية، فركز على منظومة الاستيطان بذراعيها التشريعي والتنفيذي، أما الأول فيتمثل في القرارات القضائية والتشريعات التي تجافي أبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني، وتصب كلها في تسهيل اغتصاب الأرض من أصحابها الشرعيين، وأبشع هذه التشريعات ما سمح بنزع ملكية الأراضي من أصحابها الفلسطينيين ومنحها للمستوطنين. أما الذراع التنفيذي فيتمثل في الأوامر العسكرية التي تسمو على القوانين السارية في الأراضي المحتلة فتسمح للسلطة العسكرية بوضع يدها على الأراضي الفلسطينية والأمر بإخلاء المنازل وإغلاق مناطق للتدريب العسكري والاستيلاء على الأراضي بدعوى المصلحة العامة.. ومن الخطورة بمكان ما أشار إليه المحاضر من أن السلطات الإسرائيلية تعمد إلى جعل الاستيطان مصلحة دولية بتقديم تسهيلات غير عادية للشركات العالمية في المستوطنات، مما يبرز أهمية حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل، والتي تحدثت عنها ماجدة المصري عضو اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل وعن أنشطة اللجنة وإنجازاتها وهي تستحق مقالة منفصلة.

وقد شرفني الدكتور سعيد أبو علي بطلب التعليق، فأشدت بالمتحدثين بمن فيهم الأخ أبو النمر مندوب فلسطين في الجامعة العربية، نظراً لتسليطهم الضوء على خطورة ما يمثله الواقع الراهن للاستيطان على أهداف النضال الفلسطيني وكذلك على النضالات البطولية للشعب الفلسطيني في مواجهة الاستيطان، ولفتُ إلى أن الأمر يزداد خطورة في الوضع الراهن بسبب التطورات الأخيرة التي طرأت على الموقف الأميركي من قضية القدس وأوضحت أن ما نحتاجه الآن ليس آلية دولية جديدة لرعاية جهود التسوية، وإنما تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وتحصينها، ذلك أن القوة الوحيدة القادرة على الضغط على إسرائيل هي الولايات المتحدة أما باقي القوى الدولية، فهي حتى وإن كانت راغبة في ذلك فهي غير قادرة عليه ومن ثم فإن عبء المسؤولية ينبغي أن يقع علينا وحدنا بتحقيق وحدتنا الوطنية وبناء استراتيجية للمقاومة من أجل تغيير ميزان القوى الراهن. وذكرت أن البعض يتحسسون من كلمة المقاومة، دون أن يدركوا وسائلها بالغة التنوع؛ من الكفاح السلمي المطلق كما فعل غاندي في الهند إلى النضال المسلح كما في التجربة الجزائرية مروراً بالنضال المدني الصلب الذي استطاع تصفية النظام العنصري في جنوب أفريقيا وهو أقرب النماذج لنا. وقد نهض الشعب الفلسطيني عبر مسيرة نضاله الطويلة بمسئولياته النضالية عبر المقاومة وانتفاضاته المتلاحقة وأحدثها مسيرات العودة في قطاع غزة والضفة الغربية وصولاً إلى تحقيق أهدافه، إن شاء الله.