دلع المفتي 

عزيزي الرئيس الفلبيني اقرأ معي: «مدام… بودّي أن أشكرك على كل ما فعلتِه من أجلي، أنا محظوظة جدا لأني أعمل مع أناس مثلكم. كُنتُم لي عائلة ثانية وأنا أقدر هذا جيدا.
مدام، أنا سأسافر اليوم لأرى ابنتي الصغيرة لأني مشتاقة لها كثيرا، لكني متوترة. أنا خائفة من أنهم سيمنعونني من العودة الى الكويت. أنا أحتاج الى العمل ولا أريد أن أعمل إلا عندكم.
ادعي لي أن أعود لكم».
كانت تلك مجرد رسالة من العاملة الفلبينية التي تعمل في منزلي، أرسلتها لي قبل مغادرتها إلى بلدها.. وأريدك التمعن بها جيدا بعد أن ادعيت أن العمالة الفلبينية في الكويت مظلومة وحقوقها منتهكة.
عزيزي الرئيس الفلبيني.. نعم، لا يمكننا أن ننكر أن هناك ظلما يقع من البعض على العمال والعاملات الفلبينيين وغيرهم، وندرك ان هناك من تخلى عن إنسانيته واستعبد مستخدميه وأجبرهم على العمل لساعات طوال من دون راحة، وحرمهم من الإجازة ومن معاشاتهم أحيانا، بل البعض يستبيح إنسانية العاملات وينتهكهن جسديا، لكن هؤلاء المرضى موجودون في كل الدول، وفِي بلدك الفلبين أيضا، فلماذا التركيز على الكويت فقط؟ نعم أقدر لك اهتمامك برعاياك، ونحن أيضا يهمنا أمرهم وسلامتهم، ولكن إن حسبنا نسبة عدد الفلبينيين المظلومين في الكويت إلى نسبة الفلبينيين ككل، سنجدهم أقلية، وهم في الحقيقة استثناء.
معظم العائلات الكويتية تعامل عاملاتها بالحسنى والرفق، وتمنحهم الكثير من الود الى أن تصبح العاملة المنزلية واحدة من أفراد الأسرة. وعلى الرغم من بعض الأخبار التي تنشرها الصحف عن انتحار عامل هنا وهرب عاملة فإن ذلك لا يبيح تعميم صفة الظلم على الشعب الكويتي بأكمله.
عزيزي.. لا أريد أن أعطيك درساً في الإعلام، لكن عليك أن تعي أن وسائل الإعلام تنشر الأخبار التي عادة ما تكون سيئة، فلا يمكن لخبر عن خادمة سعيدة وهانئة ومرتاحة في بيت مخدومها أن تتصدر الصحف، فهذا ليس خبرا. إن أول ما تعلمناه في الصحافة؛ إذا عض كلب رجلا، فهذا ليس خبرا، أمّا إذا عض رجل كلبا، فهذا هو الخبر. وعلى هذا الأساس لن تقرأ أبداً عن الآلاف ممن يعيشون براحة، بل وسعداء.
عزيزي الرئيس.. نحن دولة صغيرة حجما، لكنها كبيرة فعلا، كبيرة بعطائها وكرمها وإنسانيتها. نعم هناك بعض العثرات وعلينا أن نصلحها، لكن ليس بأسلوب ليّ اليد الذي استعملته معنا. ولترسيخ مبدأ «الإنسانية» الذي اتخذته الكويت منهجا، علينا تطبيق القانون بحزم ضد كل من ينتهك إنسانية الآخر، أيا كان هذا الآخر، موظفا أو عاملا. وعلينا أن نسنّ قوانين ضابطة أكثر عدالة بخصوص العمالة الوافدة، وليس الفلبينية فقط، وإعطاؤها حقوقها الإنسانية البسيطة التي تطالب بها والتخلص من نظام الكفيل الذي يظل ورقة «الاستعباد» البشعة في يد من لا يخاف الله.
أما الأهم فهو التربية الأسرية والمدرسية عبر ترسيخ احترام الآخر ومجهوده، مهما اعتبرناه هامشيا، بغض النظر عن جنسيته، والتعامل معه بإنسانية قبل أي اعتبار آخر.
عزيزي الرئيس.. أتمنى أن تصلك رسالتي هذه وأن تتقبلها بصدر رحب، كما تقبلنا تصريحاتك العنترية.