عبدالله بن عبدالمحسن الفرج

هناك حالة شد بين الولايات المتحدة وأصدقائها، وهذا كان واضحا أثناء الزيارات التي قام بها أقرب حلفاء واشنطن الأوروبيين إليها، فما الذي يثير واشنطن ويجعلها تغضب؟

إن الجواب عن هذا السؤال يعود بنا إلى الأسباب التي أدت إلى انتخاب ترمب وليس هيلاري كلينتون، فالرئيس الأميركي في اختلافه عن منافسته كان يعارض النفقات المبالغ فيها التي كان يصرفها من سبقوه على العولمة، وهذا رفع من أسهمه عند الناخبين أثناء السباق إلى البيت الأبيض، ولكن لماذا حظي هذا التوجه بدعم الأميركيين؟

أعتقد أن هذا هو الخيط الرفيع الذي يجب أن نمسكه حتى نفهم ما يجري في الولايات المتحدة والعالم، فمثلما نعلم فإن أميركا قد أصبحت زعيمة العالم بعد الحرب الباردة، وحينها تهيأ لها أنها حققت حلمها بتحولها إلى إمبراطورية، فمنذ العام 1991 أصبحت واشنطن هي وحدها الآمر الناهي في هذا العالم، وهذا الوضع المميز له تكاليفه، وهكذا صارت الولايات المتحدة تتحمل نفقات قيادتها العالم، وهي نفقات باهظة جدًا أصبح على دافعي الضرائب الأميركيين تحملها، وهذا كله كان تحت غطاء جميل اسمه العولمة، التي تبين فيما بعد أنها ليست فقط شبكات تواصل اجتماعية وإنما شبكات تجسس وحاملات طائرات تجوب بحار ومحيطات العالم لتأديب كل من يعارض النظام العالمي الجديد، وكانت يوغسلافيا في أوروبا والعراق في الشرق الأوسط أول من دفع الثمن.

ولكن وبعد أزمة الرهن العقاري العام 2008، اتضح أن الحمل الذي وضعته الولايات المتحدة على نفسها هو أكبر من طاقتها وهذا أدركه -وإن بشكل متأخر- جورج بوش الابن الذي دعا على عجل مجموعة العشرين إلى واشنطن لإنقاذ العالم، من وقتها أصبح واضحًا أن الولايات المتحدة ليست قادرة على إدارة هذا العالم وتوجيهه بمفردها.

ولكن هذا الواقع لم يعترف به إلا الرئيس الحالي ترمب، فهو وأثناء الحملة الانتخابية كان ينادي بأن تخرج بلاده من اتفاقيات الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ والأطلسي وحتى من منظمة التجارة العالمية إذا اقتضى الأمر، وكان شعاره أميركا أولًا هو الذي رجح كفته بعد أن وصل الدَّين القومي إلى أرقام فلكية، ولذلك عندما وصل إلى البيت الأبيض لم يلقَ ترحيبًا لا من المؤسسة الأميركية العريقة ولا من أقرب أصدقاء الولايات المتحدة، لأن هؤلاء الأصدقاء قد اعتادوا أن يأكلوا على المائدة الأميركية، وعلى هذا الأساس فإن إصرار ترمب على ضرورة رفع مشاركة أوروبا في تغطية نفقات حلف الأطلسي ومطالبته بعدم إغراق السوق الأميركية بطرق ملتوية لا تلقى ترحيبًا في أوروبا، وهذا يؤدي إلى توتر عبر الأطلسي.