عبدالوهاب العريض 

علت الأصوات بين مؤيد ومعارض لتلك التغيرات التي تمر بها المملكة العربية السعودية، لكن تلك الأصوات أصبحت قليلة جداً وفي مناطق نائية، وبعيدة عن المدن، وبمجرد دخولك المجمعات التجارية في العاصمة الرياض أو جدة في المنطقة الغربية، أو المنطقة الشرقية، إلا وتجد التغير واضحاً.
لم تعد مظاهر رجل الدين يرافقه العسكري يتحرك في المجمع ويستوقف العابرين من الجنسين لينتقد ملبسهم أو شكل العباءة النسائية، التي لم تعد سوداء كما السابق، بل تحمل ألوان الفرح، وتجد مرتادي المجمعات التجارية يتحركون بشكل حضاري، لا يزعجون الآخرين، بل يمارسون حياتهم الطبيعية كما لو كانوا في دولة خليجية مجاورة، حيث كان في السابق يفضل معظم مرتادي تلك المجمعات الذهاب لها، كي لا يستوقفهم رجل «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، حيث وضعت قوانين والجميع يسير عليها بكل احترام.
تجوَّلنا في المجمعات التجارية، ومركز الملك فهد الثقافي بالرياض الذي يستقبل الحفلات الموسيقية، واستطلعنا آراء مثقفين وكتاب ومواطنين، ممن ينظرون للمرحلة المقبلة بكل تفاؤل وبعض القلق ربما، كما ينتظرون مزيدا من الانفراجات على مستوى سن القوانين التي ناصر المرأة.

كثيرة هي القرارات التي صدرت ما بين 2016 و2018 وجميعها قرارات لمصلحة المواطن السعودي، وكذلك تصب في مصلحة رؤية المملكة 2030، فالأحداث متسارعة والمتغيرات كثيرة وبحاجة للعزم والحزم في كل الأمور الخاصة بالمواطنين، ومن بين تلك القرارات قرار اعادة هيكلة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي فتح الباب أمام إنشاء هيئة الترفيه والسياحة، قيادة المرأة للسيارة ومن ثم قرار اعادة افتتاح الدور السينمائية وانشاء هيئة للثقافة، حول تلك القرارات ترى صاحبة السمو الملكي الأميرة بسمة بنت سعود أن جميع الخطوات التي يقودها سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هي تطلعات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في رؤية المملكة 2030 لمواكبة جميع المتغيرات العالمية اجتماعية كانت أو اقتصادية، وتؤكد أن هذه الرغبة التي يتمناها الجميع، رغم وجود تيارات رافضة لهذا التغير، والصراع داخل التيار نجده بارزاً في جميع دول العالم عندما يكون هناك اصرار على التغير.

بينما ذهب المستشار الإعلامي لمدير جامعة حائل والباحث سعود البلوي لرؤية أبعد من ذلك في ما يخص الدولة السعودية وامتداداتها في التغير خلال القرون الثلاثة الماضية، حيث قال «من يعرف تاريخ الدولة السعودية الممتد لثلاثة قرون ماضية يجب ان يقرأ قضية بناء القوة السياسية ومواكبتها للتطوير والتحديث قراءة تاريخية باعتبارها ركناً أساسياً في التكوين السياسي للدولة، ففي كل مرحلة تاريخية من تاريخ السعودية يعتقد فيها البعض ببطء مسيرة التطوير والتحديث والمواكبة، يقيض الله للدولة رجلاً من رجالها يحمل رايتها بقوة وعزيمة وإصرار ليعيد إليها ألقها وإلى شعبها الأمل والطموح، وهو الأمر الذي سار عليه ملوك الدولة وولاة عهودها الذين حملوا راية الدولة وأرسوا لها موقعا في المنطقة منذ عهد الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى وابنه عبدالعزيز، مرورا بالإمام تركي بن عبدالله مؤسسة الدولة السعودية الثانية وابنه فيصل، إلى عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن مؤسسة الدولة السعودية الثالثة الذي استطاع استعادة دولة اسلافه ليؤسس أهم وحدة اجتماعية اقتصادية سياسية لأهم كيان سياسي في القرن العشرين، ولم يتوقف رحمه الله عند ذلك بل قادها في حركة تطوير وتحديث شاملة أقلقت مناوئيه المتطرفين اعتراضا على وسائل الحياة الحديثة في الاتصالات والإعلام، فلم يكن لهم منه إلا «السيف الأجرب»، سيف أجداده، فقطع دابرهم واستمرت الدولة في عهد أبنائه الملوك من بعده بين حركة تطوير وأخرى، إلى أن تولى الأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي قاد البلاد إلى تطور سياسي وتنمية شاملة لم تكن مسبوقة من قبل، بدأت من خلال ابنه وولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي مثل روح القيادة الشابة ورسم خطة استراتيجية شاملة تمثلت برؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي فتحت الباب على مصراعيه للشباب رجالاً ونساء ليسهموا في بناء وطنهم، مع اقفال عدة ملفات شائكة، ومنها قضيتا قيادة المرأة للسيارة والسينما وغيرهما، مما جعل بلادنا تعيش اجواء كرنفالية ملهمة».

قرارات لمصلحة المرأة

 من جانبها، اعتبرت الأكاديمية والقاصة الدكتورة زينب الخضيري عام 2017 عام التمكين للمرأة، وذلك من خلال القرارات التي صدرت وجميعها كانت في مصلحة المرأة، وقالت إن المرأة السعودية قفزت من خلال تلك القرارات قفزات هائلة نحو نيلها الحقوق التي كفلها لها الشرع وكفلها الدستور، وقالت «أظن أن التغيرات إيجابية ومحفزة بشكل مبشر، والفترة القادمة ستكمل دائرة القرارات التي تصب في مصلحة المرأة»، كما تقول الدكتورة زينب إن «المتتبع لقضايا المرأة في السعودية مقارنة ببقية الدول يتبين له سرعة تمكينها وسن القوانين التي تكفل له الحق في التعليم والعمل والأسرة أسوة بالرجل ومقارنة بعمر المملكة العربية السعودية الحديثة وإذا ما قورنت بدول العالم الأول التي تجاوزت مئات السنين ولم تمكن المرأة إلا في سبعينات القرن الماضي».

أهم قرار


ومن أهم تلك القرارات الصادرة منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم في المملكة قرار تنظيم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي صدر في أبريل 2016، وذلك من خلال تحويلها الى جهاز إداري ليس له علاقة بمراقبة ومتابعة المواطنين وفتح السجون، وعارض عدد كبير من المحتسبين على هذا التنظيم، حيث كشف حينها المتحدث الرسمي للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور تركي الشليل لوسائل الإعلام السعودية عن اتجاه الرئاسة إلى قياس إمكانات وقدرات موظفيها الميدانين، وذلك بهدف ضمان جودة العمل.
وعن إعادة تنظيم الهيئة، قال الكاتب سعود البلوي بالنسبة إلى القرار التنظيمي المهم الذي صدر عام 2016 بشأن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه يعد أهم قرار اتخذته المملكة في عهد الملك سلمان؛ لأنه أوقف حالة التزمت والفوضى والتخبط التي صاحبت عمل هذه الهيئة لعقود، وأصبح القانون سيد الموقف بالنسبة الى عملها، في ظل تغيير في هيكل هذه الهيئة جاء على رأسه رجال يعرفون بالعدل والاعتدال والحكمة في معالجة القضايا الاجتماعية، علما بأن الهيئة لم تعد لها صلاحية القبض والايقاف، الذي هو حق امني تضطلع به الجهات الامنية، واصبح دورها ينتهي بالابلاغ ومباشرة الشرطة للقضية المبلغ عنها؛ وهذا القرار مهّد الطريق امام الحالة «الكرنفالية» المتسامحة والمعدلة التي يعيشها المجتمع السعودي اليوم؛ ليصبح مثار اهتمام العالم اجمع، نظرا الى التغيّرات السريعة والتقبل الاجتماعي الكبير لها، وقدرة السلطة السياسية في المملكة على تكييف هذه القرارات، وفقا لحاجة المجتمع واولوياته الحاضرة والمستقبلية.

الانتقال والصدمة

من هنا قالت سمو الاميرة بسمة بنت سعود إن الرجل السعودي خلال 40 عاماً وهو يمارس هيمنة المسؤول الاول عن المرأة، من مولدها حتى موتها، معتبرة أن هذه القرارات الجديدة قد تكون صادمة بالنسبة الى البعض، مؤكدة ان المدن الكبرى في المملكة (الرياض، جدة، الشرقية) مهيأة لهذا التغيير، من خلال المجتمع والامكنة، حيث تعيش بها طبقة متعلمة ومتفتحة، وما نستطيع تسميته النخبة الاجتماعية في تطلعاتهم للعالم، ولكن هناك مساحة كبيرة في المملكة من جنوبه الى شماله، هي مناطق بعيدة عن المدن الرئيسة ويعيش أهلها في حالة من العزلة، وترى الاميرة بسمة أن تلك المدن والهجر بحاجة الى مزيد من الاهتمام واعادة التأهيل بما يتواكب مع تطلعات ولاة الامر في المملكة.
وكي يكون الانتقال ما بين المرحلتين اكثر سلاسة تقول الاميرة بسمة إننا بحاجة الى خطاب اعلامي مختلف، ومزيد من المتخصصين القادرين على تأهيل المجتمع للدخول في المتغيّرات الحديثة، والاهتمام بالبنى التحتية لتلك المدن، وتضيف إن وسائل التواصل الاجتماعي أعطت صورة سلبية لهذا التغيّر، حيث برز الصراع ما بين تيار متشدد وآخر متصالح مع جميع المتغيّرات، مؤكدة أننا بحاجة الى خطاب يركّز على توعية الجيل الجديد الذي فقد رؤيته خلال الأعوام الأربعين الماضية.

جودة الحياة

من البرامج التي أعدتها الهيئة العامة للترفيه في المملكة برنامج تحت عنوان جودة الحياة 2020، ويعنى بتحسين نمط الحياة، ويعتبر جودة الحياة واحدا من بين 12 برنامجاً حددها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة من أجل تحقيق الأهداف التي تضمنتها رؤية 2030، حيث يركز هذا البرنامج على جعل المملكة أفضل واجهة للعيش للمواطن والمقيم.
ويعنى هذا البرنامج بتطوير نمط حياة الفرد من خلال وضع منظومة بيئية تدعم وتساهم في توفير خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطنين والمقيمين في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية، وكذلك على تحسين جودة الحياة من خلال تطوير أنشطة ملائمة تسهم في تعزيز جودة حياة الأفراد والعائلات وخلق فرص للعمل وتنويع الاقتصاد السعودي.
من خطط البرنامج هو افتتاح دار للأوبرا وإنشاء 16 مسرحاً على مستوى مدن المملكة، افتتاح 45 دار سينما و16 مركزا للترفيه العائلي، توفير 491 موقعاً لممارسة الرياضة، تغطية معظم مساحات المملكة بشبكة خدمات رقمية عالية الجودة، بناء مجمع الفنون الملكي ومتحف افتراضي في مدينة حائل، إنشاء مدينة مائية و3 مدن ملاهٍ.

الأوركسترا الألمانية في الدمام

بعد أن عزفت الاوركسترا الألمانية عرضها في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، قدمته مرة أخرى في مدينتي الدمام بالمنطقة الشرقية، وجدة في المنطقة الغربية، في عرضها الذي قدمته نهاية شهر ابريل الماضي في جمعية الثقافة والفنون بالدمام حضره ما يزيد على 300 مستمع، حيث علق رئيس بيت الموسيقى في الجمعية سلمان جيهام بأن متابعي الفن في المنطقة الشرقية متعطشون لمثل هذه العروض، وكان الكثير منهم يسافرون الى دول الخليج المجاورة لحضورها، بينما اليوم أصبحت هيئة الترفيه السعودية تسعى لعقد عدد من الشركات المحلية والعالمية مع عازفين عالميين لتقديم معزوفاتهم في المملكة، وأكد جيهام بأن فرع الجمعية سبق له أن قدم دورات موسيقية وفنية، ولكنها اليوم تأتي من خلال دعم هيئة الترفيه التي ستساهم بشكل كبير في انتشار الثقافة الموسيقية بين الجماهير.
ويضيف جيهام «لقد ناضلنا كثيراً في السابق داخل جمعية الثقافة والفنون بالدمام لإحياء الترفيه الحقيقي، على الرغم من أن كلمة الترفيه في حد ذاتها مطاطة»، وطالب جهام هيئة الترفيه بمراجعة اسعار التذاكر للحفلات المقامة حيالياً كي لا تتحول إلى نخبوية فقط، مضيفاً أن اسعار التذاكر لا تتناسب مع دخل الناس الباحثين عن الترفيه الحقيقي.