زهير الحارثي

كانوا يتهموننا بالرجعية والانغلاق والبطء في الحركة والتغيير.. وعندما انطلقت وتيرة التغيير الإصلاحية والتحديثية في بلادنا أُسقط في أيديهم وبدؤوا يبحثون عن حلول وانتقادات وفبركة اتهامات بالتغريب حيناً والانحلال حيناً آخر..

ما يجعل من التحولات الثقافية والاجتماعية أمراً ليس باليسير هو المدة الزمنية، حيث تحتاج إلى وقت ليس بالقصير لكي تتضح تأثيراتها، إلا أنه يمكن تسريع هذا البطء في منطقتنا وثقافتنا ومجتمعاتنا عندما يوجد قرار سياسي حاسم، هذا القرار يختزل فترات التحول البطيئة، ويعجل في دفع الأمور إلى الأمام. العلاج بالصدمة على سبيل المثال أسلوب تم تطبيقه واتضحت انعكاساته واقعاً، هذا لا يعني عدم وجود اختلافات في وجهات النظر بين فئات مجتمعية، وهذا أمر طبيعي، لكن قرار الأغلبية هو من يُطبق في نهاية المطاف، ولعل الاستطلاعات الأخيرة المحايدة أكدت تأييد غالبية المجتمع السعودي للقرارات الشجاعة التي يقودها ولي العهد بإصرار وعزيمة مثيرة للإعجاب. كمواطن من حقك أن ترفض ما يجري، ولكن ليس من حقك أن تمنع الآخرين من ممارسة ما يعتقدون أنه صحيح، المناخ الجديد يكرس حق الاختيار الذي تصونه الدولة وفق القوانين.

المحطات المهمة التي عاشتها المملكة وبالرغم من حجم التحديات وأهمية القرارات وتداعياتها، برهنت على الترابط ووضع السيناريوهات للقادم من الأيام، ما جعل النتائج تأتي مخالفة لكل التكهنات، ومضت الحياة بانسيابية لافتة، ولم نشهد أي صراعات أو انقسامات كما يحلو لعاشقي الدراما في تويتر تصويرها. القصة ببساطة حملات متوالية على بلادنا في الإعلام التقليدي والإلكتروني وممول من أطراف وجهات معروفة سواء دولاً أو حركات مؤدلجة لتشويه المشروع التحديثي والتنموي الذي تدور عجلاته في أرجاء بلادي. استكتبوا أقلاماً رخيصة ممن لهم مواقف تجاه المملكة لقدرتهم في التحليل والربط والتبرير، وتوظيف كل ذلك في سبيل إقناع المتلقي بمقولاتهم مهما خالفت الواقع أو لم تطابق الحقائق، كون شغلهم الشاغل هو تشويه كل خطوة إصلاحية والتقليل مما يجري، ولا بأس أن يرافقها شيء من التهويل والفبركة والإثارة، قراءة لا تخلو من عبثية الطرح وسذاجته، ولا توافق الحقائق الماثلة؛ كونها لم تستند إلى محاولة فهم الجذور الاجتماعية والثقافية للمجتمع السعودي.

كانوا يتهموننا بالرجعية والانغلاق والبطء في الحركة والتغيير، وعندما انطلقت وتيرة التغيير الإصلاحية والتحديثية في بلادنا أُسقط في أيديهم، وبدؤوا يبحثون عن حلول وانتقادات وفبركة اتهامات بالتغريب حيناً والانحلال حيناً آخر. لم يستوعبوا حقيقة ما يجري، وأن هناك إرادة لنفض الغبار ومعانقة المستقبل عبر ثورة فكرية واجتماعية واقتصادية تنقل بلادنا إلى مرحلة جديدة. مما يثير الاستغراب أن هذه الفئة تمارس ألوان التسلية والترفيه كافة في بلدانهم، ثم يأتون هنا للعمرة أو الحج، ثم يقولون لنا لا تغيروا ما أنتم عليه، إياكم والتغيير والتحديث، أنتم أبناء بلاد الحرمين والمقدسات وأبناء الجزيرة وأرض الإسلام، ويرددون على مسامعنا: مسؤوليتكم كبيرة، وما إن يصلوا إلى بلدانهم يصدع بعضهم بالقول: حياتهم لا طعم لها ولا يستحقونها؛ لأنهم لا يعرفون قيمتها، ولا يوجد لديهم أي متنفس. من المؤلم سماع هذه التعليقات لكنها تعكس نفاقاً اجتماعياً وتناقضاً فاضحاً. بالتأكيد نحن أبناء أرض الحرمين ونفخر بذلك، ولكننا أيضاً دولة لها شعب، ولديها طموحات ورغبات وتنتمي لهذا العصر وترنو لتحقيق أحلامها وتطلعات أجيالها.

المملكة تحتضن الحرمين الشريفين وتعتز بذلك، ولديها أيضاً من المقومات والإمكانات ما يجعلها في المقدمة، والدين لا يعارض التحديث والتطوير، أناسها شغفون بالتقدم والمساهمة في حضارة العالم والارتقاء لمصاف الأمم المتحضرة.

علق بعض الزملاء على مسألة فقهية معلومة تتعلق بالخصوصية المكانية الدينية، وقد وصفها مشاري الذايدي أنها «حسب نص الأمر الديني، لا تتجاوز كيلومترات معينة بحدود الحرم، المكي والمدني، يعني ليس «كل» مدينة مكة أو المدينة المنورة، تتمتع بخصوصية دينية، فقط المحدود بحدود الحرم».

من حق السعوديين والمقيمين أن يعيشوا حياة طبيعية، ويمارسوا ألوان التسلية والرياضة والفنون، وأن تتاح لهم في بلدهم وسائل الترفيه بدلاً من سفرهم للخارج بحثاً عنها، هم مثلهم مثل غيرهم يبحثون عن سبل حياة كريمة، والطموح لا سقف له، والهدف دولة مدنية عصرية. المملكة تستشعر ثقلها الدولي وعمقها الإسلامي، وهي قدوة للآخرين، وموقنة بدورها لتحقيق حياة كريمة تليق بشعبها، وهي لا تكترث بما يقوله الآخرون؛ لأن هدفها - كما تؤكد القيادة - توفير سبل الحياة العصرية، وتحقيق مفهوم التوازن والاعتدال.