أسامة سليمان من فيينا

أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وعودة العقوبات الاقتصادية المشددة على طهران حالة من الترقب والقلق في سوق النفط الخام وسط توقعات واسعة بنمو الأسعار بسبب تقلص الصادرات الإيرانية على نحو حاد قدره البعض بأكثر من مليون برميل يوميا.

وتتجه الأنظار في السوق إلى كبار المنتجين في العالم وعلى رأسهم السعودية وروسيا في كيفية التعاطي مع القرار الجديد واستيعاب تأثيراته وتخفيف آثاره السلبية في سوق النفط الخام.

وتوقع محللون أن تعمل السعودية مع روسيا على ضمان استقرار وتوازن السوق وتعويض كافة التوقفات والتراجعات الطارئة في إمدادات النفط الخام بما يضمن الحفاظ على توازن العرض والطلب في الأسواق وبما يؤمن الإمدادات على المدى الطويل.
وجددت السعودية البارحة الأولى على لسان مصدر مسؤول في وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، التزامها بدعم استقرار الأسواق البترولية لما فيه مصلحة المنتجين والمستهلكين واستدامة النمو في الاقتصاد العالمي، وستعمل المملكة مع كبار المنتجين داخل "أوبك" وخارجها ومع كبار المستهلكين للحد من آثار أي نقص في الإمدادات.

ويقول لـ "الاقتصادية"، لاديسلاف جانييك مدير شركة سلوفاكيا للنفط "سلفونفط"، إن السعودية بقدراتها الإنتاجية الواسعة قادرة على التعامل مع الوضع الجديد في السوق وتعويض الإمدادات الناقصة والحفاظ على شراكة قوية بين المنتجين بما يبني على النجاحات السابقة ويعزز استقرار سوق النفط.

من جانبه، أوضح لـ "الاقتصادية"، دان بوسكا كبير المحللين في بنك "يوني كريديت" البريطاني، أن الدور السعودي القيادي في السوق سيظل محوريا بالتعاون مع بقية الشركاء سواء في "أوبك" أو خارجها مشيرا إلى أن كبار المنتجين قادرون على حماية أمن الإمدادات متوقعا أن يتبلور ذلك بصورة واضحة في اجتماع المنتجين الشهر المقبل.

في سياق متصل، توقع بنك "باركليز" الدولي أن يؤدي استئناف العقوبات الأمريكية إلى إضعاف قدرة إيران على جذب الاستثمارات الأجنبية ما يبقي إنتاج البلاد مستقرا أو أقل حتى عام 2025.

ورجح تقرير حديث للبنك استمرار ارتفاع أسعار النفط الخام لتواصل المكاسب التي تحققت على مدى الأسابيع الأخيرة مفسرا ذلك بارتفاع حالة عدم اليقين في الأسواق وضبابية مستقبل التعامل مع الاتفاقية النووية من قبل بقية الدول الخمس المشاركة بها.
وفي الاتجاه نفسه، ذكر تقرير "وورلد أويل" أن إعلان ترمب بإعادة فرض العقوبات الأمريكية الصارمة على إيران سيؤدي إلى فقدان طهران 200 مليار دولار هي قيمة صفقات الطاقة التي كانت متوقعة في الأمد القريب.

ولفت التقرير إلى أن هذه الاستثمارات كانت إيران تحتاج إليها في مجالات النفط والغاز الطبيعي والبتروكيماويات بحسب تأكيد بيجان زانجانه وزير النفط الإيراني.

وأوضح التقرير أن إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران سيجعل هذا الأمر يحتل مكانا بارزا في أجندة اجتماع المنتجين في "أوبك" وحلفائهم في الشهر المقبل في فيينا مشيرا إلى أن المنتجين كانوا قد بدأوا في خفض إنتاج النفط العام الماضي في مسعى لتخليص السوق من وفرة المعروض العالمية.

ويرى التقرير أن القيود على الإنتاج أدت إلى القضاء على فائض مخزونات النفط الخام العالمية وهو ما جعل السعودية أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، تحث الأعضاء الآخرين على مواصلة خفض الإنتاج، مشيرا إلى أن التخفيضات الإنتاجية جاوزت حاليا المستهدف خاصة بعد قرار عودة العقوبات على إيران وهو ما يتطلب تحركا مغايرا من المنتجين في اجتماعهم المقبل للحفاظ على توازن السوق ولمنع حدوث تهاو في المعروض النفطي.

ونوه التقرير إلى أنه منذ أن تم تخفيف العقوبات على طهران اعتبارا من كانون الثاني (يناير) 2016 كانت شركة توتال الفرنسية هي شركة الطاقة الغربية الوحيدة التي تستثمر في إيران وتعهدت بإنفاق مليار دولار في حقل غاز جنوب فارس العملاق.
ونقل التقرير عن باتريك بوياني الرئيس التنفيذي لشركة توتال، أن الشركة الفرنسية ستنسحب من المشروع إذا لم تحصل على ضمانات لافتا إلى أن الغاز المنتج من المشروع مخصص للاستهلاك المحلي وليس للصادرات.

وذكر أن انسحاب "توتال" سيؤى بحسب المسؤولين الإيرانيين إلى استحواذ الشريك الصيني "تشاينا ناشونال بتروليوم كوربوريشن" على حصة "توتال" وذلك في محاولة لتهوين وقع الأزمة من قبل إيران.

ونوه إلى حدوث انخفاض واسع في إنتاج وصادرات النفط الخام من إيران بعد أن شددت القوى العالمية العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي في عام 2012 وقد عدلوا عن ذلك لاحقا حيث تم تخفيف القيود في عام 2016.

ولفت التقرير إلى تضاعف شحنات البتروكيماويات الإيرانية - بما في ذلك الإيثيلين والميثانول والأسمدة - منذ عام 2013 حيث بلغ إجمالي الإنتاج نحو 53.6 مليون طن في الأشهر الـ 12 المنتهية في 21 آذار (مارس) ومع ذلك فان إجمالي إنتاج البلاد يبقى أقل بكثير من 71.2 مليون طن المنتجة في عام 2017 من قبل الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" وهي أكبر شركات البتروكيماويات في السعودية.

وشدد التقرير على أن العقوبات الأمريكية المتجددة على إيران ستعطل كثيرا صادرات النفط على نحو كبير كما ستوقف نمو صناعات الغاز والبتروكيماويات التي كانت تكافح من أجل التعافي وذلك منذ تخفيف القيود المفروضة على العقوبات منذ أكثر من عامين.