محمد الساعد

بعد أسبوع واحد فقط من الخروج الأمريكي المدوي من الاتفاق النووي الإيراني على يد الرئيس دونالد ترمب، سقط الغبار وارتفعت الأصوات المؤيدة والمعارضة، وانزوى أصحاب الأصوات الرمادية الذين لم يكن لهم من هذه القضية إلا التشفي في الموقف السعودي، كما برز سؤال كبير؛ من هم الفائزون والخاسرون في هذه الحفلة التي صنعها اليسار الأمريكي ولوبي إيران ورقصت على مسرحها الكبير شركات صناعة النفط والغاز الغربية؟.

يا لها من مأدبة كبيرة كان الآكلون حولها كثرا، وللأمانة كانت جوائزها كبيرة، إلا أنهم نسوا أنهم لا يملكون الشرق الأوسط ويعيش فيه أكثر من مليار إنسان كانوا عرضة لجنون ملالي طهران ولسباق نووي محموم لا يعلم إلا الله وحده نتائجه المستقبلية.

المملكة العربية السعودية ومصر ودول إقليمية أخرى، لن تقف أمام دولة تمتلك أسلحة نووية تخيلت طهران أنها ستتمكن من خلالها من إخضاع المنطقة كلها لإرادتها، هذه الدول أكدت بكل صراحة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي وستسارع لإنتاج قنابلها الخاصة، وهو ما طرحه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومسؤولون سعوديون كثر.

دعونا نراجع السلوك الإيراني في المنطقة لنعلم أننا أمام عصابة تحكم طهران كلما التقطت سلاحا استخدمته ضد جيرانها، فكل الصواريخ المئة والثلاثين التي أطلقها الحوثيون وقصفوا بها المدن السعودية هي صواريخ باليستية إيرانية عابرة للدول، وكل الأسلحة والمتفجرات الموجودة في المنطقة من العراق إلى سورية إلى البحرين إلى اليمن هي من تمويل إيراني، أضف إلى أن طهران هي في الطريق لإنتاج صواريخ عابرة للقارات ستصل إلى العواصم الأوروبية قريبا.

يخطئ الأوروبيون إذا توقعوا أنهم عندما يدمجون نظام طهران الفاشي في المجتمع الدولي سيتم اكتفاء شره من خلال الاتفاق سيئ الذكر الذي وقعه أوباما نيابة عنهم، فإيران تنظيم ثوري متعدد الأوجه يبحث عن إقامة دولة إمامية لا تعترف بالحدود، تتبنى الإرهاب والحروب بالوكالة، وهي بدأت دولتها الانقلابية العام 1979 بحرب كبرى ضد العراق ثم اتجهت إلى البحرين، والسعودية، وها هي ترتكب واحدة من أكبر المجازر الإنسانية في اليمن، وسورية، كما حولت لبنان إلى مستوعب لنفايتها وأغراضها العسكرية.

كانت أهداف الأوروبيين واضحة؛ هي الاستفادة القصوى من الثروة الإيرانية المتراكمة طوال ثلاثة عقود للخروج من أزمة اقتصادية طاحنة تمر بها القارة العجوز كبلتها وحولتها إلى دول مثقلة بالديون والبطالة، ولولا الاقتصاد الألماني لسقطت أوروبا في قاع ركود وانهيار لا قرار له، هل نسينا اليونان وإسبانيا والبرتغال.

كان واضحا حينها أن فرنسا وألمانيا وبريطانيا هي الأكثر نهما ورغبة في تحقيق الاتفاق من الإيرانيين أنفسهم. باريس دخلت بثقلها خلف الاتفاق بحثا عن عودة توتال الفرنسية لإنتاج وصناعة الغاز والنفط الإيراني. الألمان كانوا هم أيضا يبحثون عن بدائل للغاز الروسي الذي أذلهم وجعلهم رهينة للكرملين. البريطانيون عادوا بأحلام إمبراطوريتهم للسيطرة على ضفة الخليج الشرقية ودخول استثماراتهم وصناعاتهم للبازار الإيراني.

استغل الجميع من يسار أوروبي وأمريكي وحزب ديموقراطي مخترق لأخمص قدميه باللوبي الإيراني سذاجة الرئيس أوباما وسعيه لتحقيق مجد شخصي ودفعوا به ليكون رأس الحربة لمشروع تعويم طهران، لقد أعطوا إيران ما لا تستحق في ما لا يملكون.

إيران ليست سوى دولة متطفلة تعيش على تخوم العالم العربي، والسماح لها بالتمدد من أجل عيون الغاز والاستثمار كان أمرا غير مقبول، والرياض ليست سورا قصيرا يمكن أن تمرر المشاريع العابرة من فوقها، ولذلك وبعد أن سقط المشروع «الخائب» اليوم سينكشف جليا من هم الفائزون والخاسرون من انتهاء حفلة الغزل الغربي الإيراني..

لا شك أن شعوب الشرق الأوسط التي أثخنها الإرهاب الإيراني ستعيش في جو أكثر أمانا من ذي قبل بعد أن يتم تكبيل مشروع «الملالي» ونزع مخالبه النووية، كما أن الدبلوماسية السعودية حققت انتصارا مدويا فهي من كسر «عظم» المشروع دون كلفة عسكرية، وهي من أكدت مسبقا أنها لن تكون جزءا منه ولم تقبل به ولم تتفاوض عليه وهذا ما تحقق.

أما الخاسرون فهم أصحاب كل الشركات والمصارف والمصانع الغربية من صناع الغاز وبراميل النفط مرورا بمصنعي السيارات والبنية التحتية وانتهاء بالطائرات والصفقات العسكرية الذين بنوا طموحاتهم على الاستثمار مع «هتلر الشرق الأوسط»، فذهب الاستثمار وبقي هتلر.