إدريس الدريس

تتساقط الأخبار السارة والمحفزة على قلبي عن شباب وشابات بلادي كما يهطل المطر على صحراء أمضّها الجفاف والهجير، وتتزامن هذه المسرات مع النقلة التحولية تنموياً والتي تنتظمها رؤية 2030 حتى غدت المملكة ورشة عمل لا تكل ولا تمل من عرض البشائر إن في المجال السياسي الذي أصبح يدوزن العلاقات السعودية وفق المصالح المتبادلة إلى جانب إزالة العقبات التي كانت تعرقل إجراءات دخول المستثمر الأجنبي وما تمخض عن ذلك من رغبة الكثير من الشركات العالمية للاستثمار داخل المملكة،

كذلك فإن خطط الابتعاث الكبرى والتي انطلقت وتيرتها في عهد الملك عبدالله -يرحمه الله- قد بدأت تؤتي أٌكلها من خلال الأعداد الطلابية للخريجين الذين يحملون البراءة العلمية وبراعة الأداء في المعامل والمختبرات، إلى جانب تميز السعوديين في العديد من براءات الاختراع في الحقول الطبية وعلوم الفضاء ومجالات التقنية إلى الحد الذي تفوقت فيه المملكة في هذا المجال، بعد أن تصدرت العالم العربي بـ664 براءة اختراع وهو ضعف ما حصلت عليه الدول العربية مجتمعة ونفس التفوق يجري على تقدم الجامعات السعودية في تصنيف أفضل الجامعات العربية، ويمكنك أن تضيف لكل ماسبق قائمة مختصرة لبعض السعوديين الذين حققوا نجاحات وشهرة عالمية، مثل الدكتورة حياة سندي في مجال التقنية الحيوية والدكتور عبدالله الربيعه في مجال فصل التوائم الملتصقة وكذلك الدكتورة غادة المطيري العالمة المميزة والتي نالت أرفع الجوائز في البحث العلمي، وهناك البروفسور نايف الروضان عالم ومؤسس مختبرات الأعصاب في جامعة هارفارد وأيضاً مشاعل الشميمري وهي أول سعودية تعمل في مجال تصميم الصواريخ النووية.

إذن، نحن نمر بحالة من التحول والتغير الإيجابي وهي حالة مماثلة نسبياً للحالة التي مرت بها اليابان بعد الحرب، عندما لم تستسلم للهزيمة التي طالتها فتخلت عن تطلعاتها العسكرية والاستعمارية السابقة وباشرت الدخول في معترك الصناعات الدقيقة فتفوقت ونافست والحال كذلك مع كوريا الجنوبية وسنغافورا وماليزيا، وهي الدول التي لم تتكل على الموارد الطبيعية ولكنها اعتمدت على جودة التعليم والتدريب، وكان وقودها الإصرار والعزيمة والدفع بالشباب إلى معترك الإبداع والعمل وهذا ما يحدث حالياً في بلادنا. وقد بدأنا فعلاً نتلمس إيجابيات الخطط والرؤية الطموحة، لكن لا زال الوقت مبكراً حتى نرى المملكة وقد غيرت جلدها وصارت حياة أهلها أجود اجتماعيا واقتصادياً. وإذا استمر مسار التغيير دون عرقلة أو توقف طارئ فإن حجم كرة العيب المتضخمة عندنا سينفش وينسم، وسترى السعودي يأكل ويشرب ويلبس ويركب من صنع يده وستراه في المصنع والمعمل وفي المختبر والمطبخ والمطعم والمسلخ يتولى كل الأعمال التي وصمها العيب وتلبستها روح الترفع التي صبغت معتقداتنا وأعرافنا إثر الطفرة النقدية النفطية بشكل خاطئ وسوء فهم لم يكن هذا حاله في الزمن السالف، وهكذا فإذا سارت الخطط والرؤى كما هو مرسوم لها، فإن الإنسان السعودي سيتحول خلال العقدين القادمين إلى النموذج الياباني والكوري، وهذا ما تشي به بعض ملامح التحول الوطني التي تعلن عن نفسها في كثير من منجزاتنا الفردية والجمعية اللافتة والتي تلمع في جبين الوطن.