ماجد الشيخ

 في الذكرى السبعين للنكبة الأولى، تتجمع نذر لا حصر لها، من أشتات نكبات تجدد روح تلك التي بقيت تتناسل نكبات، لا يتحمل مسؤوليتها كيان الاحتلال الكولونيالي العنصري وحده فقط، بل والكثير من أنظمة الخنوع والاستبداد الرسمي العربي، وصولاً إلى ما صارته «سلطة أوسلو» التي ارتضت عبر «تنسيقها الأمني» لا أن تقف على «الحياد»، بل أن تخوض في «تجربة شراكة» مع الاحتلال ضد مقاومة شعبها الكفاحية المشروعة، وضد مطالبها وتطلعاتها الجماهيرية، في النظر إلى الوطن كهدف نهائي مقدس، ولو على حساب السلطة وأدوارها المتقلبة التي لم تعد تستجيب لأبسط الضرورات الكفاحية، في وقت أفقدت الكيان الوطني الجامع (م. ت. ف.) وحدتها الوطنية كممثلة للمشروع الوطني الفلسطيني، حيث أفقدها الانقسام السياسي والجغرافي، ونرجسية القوى الفصائلية بفئويتها ومصالحها وعلاقاتها البينية غير السوية، كما وعلاقاتها الأخرى مع قوى في الإقليم، أفقدها سوية الدفاع موحدة عن ما يفترض أنه مشروعها الوطني المشترك.


في غياب المشروع الوطني المشترك، وفي غيبة المشتركات السياسية، لم يعد ممكناً ترميم الوضع الوطني الفلسطيني، وإعادة قواه إلى سكة العمل الوطني الصحيح، في وقت تذهب القوى المعادية برمتها، لا كيان الاحتلال العنصري وداعموه الغربيون، إلى تشريع وتسويغ ما لم يكن ممكناً تشريعه وتسويغه، أيام كانت الحركة الوطنية الفلسطينية أصلب عوداً وكفاحية وتماسكاً وحدوياً، وأكثر انسجاماً على منطلقات سياسية كفاحية وبرنامجية. كل هذا صار من الماضي، في وقت تقدمت جبهة الأعداء خطوات كبرى نحو التسوية التصفوية التي يجري التوافق عليها، بين كامل تشكيلة القوى التي أصبحت تناصب الحق الوطني الفلسطيني عداءً مستحكماً، يوازي قبولها الفاضح بوجود كيان الاحتلال الاستيطاني الاستعماري فوق تراب الوطن الفلسطيني كله.

من هنا ينبغي أن يؤسس الوعي الفلسطيني الراهن، في القادم من أيام بدء العقد الثامن للنكبة، موجات وعي أكثر شمولاً، تنتج مؤشرات ومؤثرات أكثر مسؤولية ووحدوية وصلابة قيادية، تعمل على إبراز أهمية الانخراط في النضال الوطني الفلسطيني العام، وذلك عبر التركيز على قضية اللاجئين وضرورة العودة، واستعمال هذا الشعار حتى في نطاق الجليل والمثلث والنقب، وتنظيم مسيرات لأهالي القرى المهجرة داخل الوطن والتوجه إلى قراهم التي هجروا منها، ومحاولة الإقامة فيها، رغماً عن قرارات الاحتلال وسياساته التهجيرية. وهذا على الأقل أبسط مهام قيادة جماهير الداخل الفلسطيني، بالتنسيق مع كل قوى النضال الوطني في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات.

على أن تطبيق مفهوم حق العودة، ينبغي أن يبدأ من المكان الأول الذي بدأت النكبة منه في العام 1948، ونشوء قضية اللاجئين وتشريدهم داخل الوطن وفي الشتات، وهذا يتطلب تغييرات جذرية في أنماط التفكير والقيادة والتخطيط، بهدف لمّ الشمل الفلسطيني على أسس أكثر كفاحية ووضوحاً، صوناً لحق الفلسطينيين في أرض وطن آبائهم وأجدادهم، حيث جرى احتلاله بالقوة، واستعادته إنما هي القضية، وليست «الدولة» المفترضة سوى تحصيل حاصل الخلاص من الاحتلال، وليس الخضوع لشروطه والتنسيق معه.

ولعل الطبيعة الاحتفائية الحالية هذا العام في الذكرى السبعين للنكبة، عبر مسيرات العودة والمقاومة الشعبية على اختلاف مناطق فعالياتها ووجودها، من الداخل ومن الخارج وعلى حدود قطاع غزة، تولد همّاً جماهيرياً مشتركاً، وتفاعلات ينبغي عبرها استعادة وحدة المشروع السياسي المشترك، برنامجياً وسياسياً وتنظيمياً وجماهيرياً، وهذا أقل القليل الذي ينبغي أن تقدمه عموم قوى الحركة الوطنية الفلسطينية على امتداد أرض فلسطين التاريخية لقضية الصراع مع الاحتلال، بأمل الانتصار عليه في معركة الوجود والبقاء.