سطام المقرن 

رفضت لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية بمجلس الشورى، تبني توصية تقدم بها أعضاء في المجلس لتنظيم زواج القاصرات، حيث بررت اللجنة رفضها للتوصية بأنها «جاءت بضابط جديد يمنع عقد النكاح مطلقا لمن لم يتم 15 من العمر ذكرا وأنثى، وهو ما فيه منع المباح، وأنه لا يجوز شرعاً تحريم ما أحله الله دون سبب مشروع»!.


التبرير السابق للجنة الإسلامية في مجلس الشورى في الحقيقة لا يختلف عن رأي الفقه السائد والتقليدي حول مسألة «زواج القاصرات»، فالفقهاء يرون أنه من المندوب والمستحب أن تتزوج الفتاة في سن التاسعة، وقد قيل إن من سعادة المرء أن يزوج ابنته قبل بلوغها في بيته، ويستدل هؤلاء الفقهاء على هذا الرأي بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تزوج بعائشة وهي بنت ست أو سبع سنوات، ودخل بها وهي بنت تسع سنوات، ففي الصحيحين -واللفظ لمسلم- عن عائشة: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوجها وهي بنت سبع سنين، وزُفَّت إليه وهي بنت تسع سنين، ولعبها معها، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة».
والحديث السابق ليس صريحا في استحباب زواج القاصرات، بل إن القضية خبرية، حيث يخبر الحديث عن واقع اجتماعي كان الناس يعيشونه في ذلك الزمان، وكان فيه الرجال يتزوجون من القاصرات، وبالتالي كان هذا النوع من الزيجات يعتبر من العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية السائدة في ذلك الوقت، وكان الرجال يتزوجون من القاصرات من قبل النبي، عليه الصلاة والسلام، والدليل على ذلك «زواج عبدالمطلب الشيخ الكبير في السن من هالة بنت عم آمنة في اليوم الذي تزوج فيه عبدالله أبو النبي -صلى الله عليه وسلم- أصغر أبنائه من صبية هي في سن هالة، وهي آمنة بنت وهْب»، والرسول -عليه الصلاة والسلام- بشر، يتزوج كما هي الأعراف الاجتماعية السائدة، ويلبس مثل ما يلبسه الناس في المجتمع، ويأكل مثل ما يأكلون، ويتعالج بما يتعالج به الناس آنذاك.
يقول أحد الدعاة في معرض جوابه عن سؤال في مسألة زواج القاصرات ما نصه «لعل سرَّ سؤالك -أخي الكريم- أن زواج الرجل من فتاة صغيرة ليس موجودا في بعض البلدان، ولكن لو سألت من يكبرونك من أسرتك، لأخبرك بعض جداتك أنهن قد تزوجْن في سن قريب مما تزوجت فيه أم المؤمنين عائشة، فهذا ليس بدعا في عصرنا، ولا في العصور التالية له، ففي كثير من القرى والريف وكذلك في البلاد التي تقوم على النظام القبلي - تجد هذا متوافرا»!.
ما ذكره الداعية في جوابه السابق، بأن الجدات والأمهات في الماضي كنّ يتزوجن في سن قريب من عمر عائشة -رضي الله عنها- قد يكون له شيء من الصحة في زمن سابق، ولكن اليوم قد تغيرت القيم والأعراف والمفاهيم الاجتماعية التي تدعونا للانسجام معها شئنا أم أبينا، فما كان بالأمس من مصاديق العدالة قد لا يكون اليوم كذلك، في الماضي لا أحد يعترض على مثل هذه الزيجات، ولكن في وقتنا الحاضر فإن كثيرا من الناس يستنكرون تزويج البنت في هذه السن الصغيرة، ويعدّون ذلك إهدارا لكرامتها وحقوقها الفطرية، وعلى الرغم من هذا الاستنكار إلا أن هناك صراعا داخليا في المجتمع يتمثل في التناقضات بين مقتضيات العصر الحديث وأحكام الفقه القديم. فالفقهاء اليوم لا يستطيعون إنكار أو تجريم زواج القاصرات قانونا، بسبب التمسك بالموروث الديني التقليدي. 
قبل خمس سنوات قرأت في إحدى الصحف المحلية عن خبر اجتماع عدد من الفقهاء المسلمين حول موضوع «تزويج القاصرات»، وكان الهدف من هذا الاجتماع هو توضيح الحكم الشرعي لتحديد سن معين للزواج، وكما يبدو لي من هذا الخبر، فإن الفقهاء اجتمعوا بسبب مطالبة بعض الحقوقيين بسن قوانين تجرّم تزويج القاصرات.
والملفت للنظر في هذه القضية أن الفقهاء في بحثهم في هذا الموضوع يستعرضون آراء الفقهاء القدامى في تزويج الصغار والقاصرات، ولم يبحثوا بشكل مفصّل المفاسد والأضرار الاجتماعية المعاصرة التي انتشرت بسبب هذا النوع من الزيجات، وبالتالي هم لم يلتفتوا إلى الإفرازات والنتائج السلبية المترتبة على ذلك، ولم يأخذوا في الحسبان اختلاف الزمان والمكان والظروف المتغيرة، لذا أعتقد أن الاجتماع كان لرد الشبهات وليس من منطلق مشاكل الناس وحقوقهم، ناهيك عن أنهم لم يأخذوا آراء الناس بالاعتبار في هذه المسألة، فإذا لم يستطع فقهاء اليوم اتخاذ موقف واضح تجاه قضية اجتماعية مثل زواج الأطفال، فكيف بالقضايا الأخرى مثل القضايا الاقتصادية والحقوقية التي تعتبر القوانين فيها شرطا لتنميتها واستمرارها؟.
كان علماء المسلمين الأوائل أكثر نشاطا وتحركا على مستوى استكشاف الأحكام الشرعية، فكان القياس والاستحسان والمصالح المرسلة كأصول فقهية وعقلية للكشف عن الحكم الشرعي، بعكس فقهاء اليوم الذين اعتبروا اجتهادات الأولين كنصوص شرعية لا يمكن نقدها أو الخروج عنها، فالتزموا بها ولم يجدوا ضرورة أو حاجة جدية لتحريك العقل في هذا الإطار، وهذا ما يفسر موقف أعضاء مجلس الشورى الرافضين لتوصية تنظيم زواج القاصرات، وهذا ما ينطبق على المشاكل الاجتماعية الأخرى الموجودة في واقع المجتمع والتي أفرزتها المستجدات الحديثة، والتي سوف يعجز مجلس الشورى عن معالجتها بكل تأكيد، بسبب الجمود على عتبة التراث على حساب العقل والتطور وحقوق الإنسان.