سمير عطا الله 

بعد الحرب العالمية الثانية، أطلقت الولايات المتحدة في أوروبا «مشروع مارشال»، الذي حمل اسم وزير خارجيتها الجنرال جورج مارشال. شملت المساعدات حلفاء أميركا في الحرب وبعض أعدائها، مثل ألمانيا الغربية. وانتهت المسألة كلها إلى أن أميركا كسبت مجموعة من الأصدقاء الناجحين اقتصادياً، الذين أصبحوا من أهم شركائها أيضاً.


يخيّل إلى أن مشروع، أو «خطة» مارشال، كان أهم المبادرات التي عرفتها السياسات الدولية. وعندما أفكر في أن صاحب المشروع كان عسكرياً، لا بد من وضعه في مرتبة دوايت أيزنهاور الذي هدد دول العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وأرغمها على التراجع، أو في الجنرال ديغول، الذي وقف ضد رفاقه العسكريين من أجل إنهاء حرب فرنسا في الجزائر.
يواجه الغرب الآن، وإلى حد ما، جزءٌ كبيرٌ من العالم، موقفاً عدائياً من روسيا وفلاديمير بوتين. أتذكر نهايات الاتحاد السوفياتي عام 1991، يوم انفرطت الجمهوريات الخمس عشرة كل في حالها. كانت تلك أعظم فرصة في تاريخ أميركا وتاريخ الأرض لقيام عالم جديد يدوم سلامه قرناً على الأقل. كانت روسيا المتعبة في حاجة إلى «مشروع مارشال» آخر، يساعدها على أزمتها الاقتصادية وعلى تدبير آثار الانهيار الكبير. وراح ميخائيل غورباتشوف يطلب علناً، وفي شيء من المهانة، الشراكة مع الخصم السابق. لكن رد جورج بوش الأب كان ثأرياً وسطحياً وقصير النظر. أراد أن يتمتع برؤية العملاق الروسي منهاراً ومفتّتاً بدل من أن يساعد موسكو على أن تصبح حليفاً آخر مثل اليابان وألمانيا.
التصرف الأميركي المتعالي هو الذي حرّض الروس على غورباتشوف. وهو الذي أعاد عتاة الكرملين مثل يفغيني بريماكوف، الذي قطع رحلته الشهيرة إلى أميركا من فوق الأطلسي، ليعود إلى موسكو. وتتالت الأمور بحيث وصلت إلى ظاهرة بوتين، الذي شكّل للروس رمز العودة إلى النهضة الوطنية.
خسر العالم بأجمعه فرصة انفراج تاريخي لا أحد يعرف كم كان سيكون مداه. وأدى الصراع الذي قام مجدداً إلى تسرب ظاهرة الإرهاب من بين أصابع الفريقين. وكالعادة، دفع الشرق الأوسط ثمن الجزء الأكبر من الصراع باعتباره الساحة الأكثر تعرضاً للاشتعال.
كلما توغلنا في الصراع الجديد، تذكرنا لو صدف وجود جورج مارشال في واشنطن مع وجود ميخائيل غورباتشوف في موسكو. غير أن الأسلاف قد سبقونا في إدراك العبث، وسمّوا ليت ولعل أحرفاً ناسخة.