نبيل عمرو

 «عشرات القتلى ومئات المصابين على حدود القطاع، أفشلوا عرض نتنياهو وترمب، وكلما زاد عدد المصابين ظهرت الجماعة التي اجتمعت في مبنى السفارة الأميركية الجديدة في حي أرنونا في القدس كغريبة وبالأساس عديمة الرحمة. وكلما ازدادت التقارير والتغريدات عن يوم دموي في القطاع، تبلور الادعاء بأن نقل السفارة يمكن أن يساعد في تحقيق السلام بشكل مدهش كادعاء متهكم وبالأساس مضحك».

هذا مقطع من مقال للكاتب الإسرائيلي حيمي شاليف، نشرته صحيفة «هآرتس» في اليوم التالي لمذبحة السياج، هذه المقالة التي شدتني إلى جانب مقالات كثيرة أخرى، تجسد الجدل الصاخب الذي يجري في إسرائيل وعنوانه هل ترمب مخلّص أم مورط؟
الكتّاب المهمون في إسرائيل يحاولون رؤية ما سيحدث غداً وبعد غدٍ، وكتّاب اليمين المتحلقون حول إنجازات نتنياهو الفاقعة، يرون ترمب كما لو أنه مبعوث العناية الإلهية، وليس له من وظيفة سوى تلبية رغبات ونزوات نتنياهو ومن معه في ائتلافه اليميني.
إسرائيل التي تمتلك جيشاً مسلحاً من قمة الرأس إلى أخمص القدم، وتمتلك تحالفاً أعمى مع الدولة الأعظم في العالم وتمتلك كذلك رئيس وزراء يغسل خطاياه الإسرائيلية بدم الفلسطينيين، إسرائيل هذه تواصل القلق والخوف مما يمكن أن يأتي، والمخيف أكثر هو مفاجآت الفلسطينيين، فقد تجد إسرائيل صيغة لتطويق الخطر الإيراني، بل إنها وجدتها بالفعل، غير أن ما لم تستطع تطويقه رغم محاولات دامت سبعين سنة هو التحدي الفلسطيني المضاد واقعياً ومنطقياً لكل الحسابات الرقمية والمادية، ورغم الفرق الشاسع في الإمكانيات الذي هو بحجم الفرق بين الـF35، والطائرات الورقية المشتعلة، فإن ذلك لم يبدد القلق بل تعمق وصار الشعور به إدماناً لا خلاص منه.
الفلسطينيون يكافحون إسرائيل المتفوقة وفق روزنامة امتلأت تماماً بأيام ومناسبات تستحق الاحتفال، يتراوح بين خطبة في مدرسة ومقص تستخدمه قاصر، تحاول طعن جندي به، وبندقية محلية الصنع قد تفلح في إطلاق رصاصة، ومثلما يستقطب الشال الأحمر قرون الثور، يستقطب المقص كامل طاقة جيش الدفاع في استنفار دائم لا يهدأ.
لقد أخرجت العفوية الفلسطينية من التداول حسابات الساسة واعتباراتهم، فأنتجت جبهة ثالثة تستحيل السيطرة عليها، قوامها مبادرون لا ينتمون لأي تنظيم، وهم جميعاً في سن الشباب المبكر وكذلك مصلون يعدون بمئات الآلاف يتقاطرون إلى مدينة القدس لإثبات أحقية كونها عاصمة للفلسطينيين، وضاربين أساسات الادعاء الإسرائيلي بأنها العاصمة الأبدية للدولة العبرية، وأمام هذه الحقيقة المتكررة على مدى سبعين سنة، فما الذي أتى به ترمب حتى يفرض سلاماً ترتاح به إسرائيل ويقبل به الفلسطينيون.
إن الجدل الدائر في إسرائيل حول ترمب كمخلص أو مورط، إن أثبت أمراً فهو أن الرئيس الأميركي زوّد النار الكامنة، والظاهر جزء منها على السطح، بوقود يفتح الصراع الساخن ربما إلى ما لا نهاية.