سمير عطا الله

 الجواب أكثر سهولة من السؤال: لماذا «وجوه رمضان»؟ لأن الوجوه التي نتذكرها في رمضان، وفيها شيء منه. بقية الشهور لبقية الناس، لكن هذا الشهر له عطر خاص: عطر البركة والتقوى والعمل والنوايا الطيبة والخير والسماح والسكينة والصداقات والمحبين والأحباب.

ثمة وجوه كثيرة تذكر في أجواء رمضان فكيف نختار بينها؟ خصوصاً في هذه المهنة التي تكثر فيها الصداقات وتتعدد فيها المعارف وتفتح أمام أهلها أبواب الدور والقصور والمجالس. وكم أشكر ربي أنها مهنتي وكم أحمده على بعض من فيها، لأن لا يحمد عليهم سواه.
وجدت أن أفضل قاعدة أعتمدها في الاختيار الذين، بكل بساطة، صنعوا خيراً وخيراً رأوا كلّ في حقله. لم أختر في مصر عبد الناصر أو السادات أو مبارك ولكن طلعت حرب، لأنه وضع الأسس لرفع حياة المصريين: أغنياء وفقراء وبسطاء. رسم طريقاً إلى المستقبل ليس فيه عنف ولا نزاعات ولا مدنيون ولا عسكريون ولا طائفيون.
اخترت في السودان الفريق سوار الذهب لأنني تمنيت لو تعمم ذهبه الأخلاقي على جميع عسكريي العالم العربي والعالم الثالث والعالم الثالث عشر والعالم الثالث والسبعين. إلا ربعاً. كانت كل السلطة في يده والجيش تحت إمرته ولكنه في موعد المغادرة القانوني خلع قبعته واعتمر عمّته السودانية ومضى.
واخترت من اليمن «الأستاذ». قامة راقية من أيام الإمامة ومن أيام الثورة ومن أيام الجمهورية ومن أيام «الوحدة». أهرام من الثقافة والأدب والخلق ورفعة عالية وابتسامة لا تهدها مصيبة. حتى في يوم اغتيال بكره محمد في بيروت قال: «لا تحمّلوا هذا البلد الصغير أكثر من طاقته. دعونا لا نبحث عن الفاعل. فأنا وأمه نعرف من هو المحرّض. اللهم احمِ لبنان وضيوفه من المزيد».
واخترت الشيخ الدكتور محمد معروف الدواليبي الذي التقيته أول مرة في الطائف صيف 1964. ولم يكن هناك ما يجمع بين الصحافي الناشئ ورئيس وزراء سوريا السابق وأحد كبار مستشاري الملك فيصل بن عبد العزيز، سوى بركة المصادفات. وطوال السنين التالية كنت أحرص على زيارته كلما ذهبت إلى الرياض، متنوراً بعلاقته مع التاريخ. وكان يتكرّم دائماً بالكتابة إليّ حول ملاحظاته على الزاوية وموضوعاتها. وعندما غاب العام 2004 عن 94 عاماً شعرت مثل كثيرين ممن عرفوه بأن عموداً من أعمدة الحكمة والعروبة قد سقط وعليه مصباحه.
إلى اللقاء.