عبدالعزيز المقالح

ربما كان أصدق وصف للزمن العربي الراهن بأنه زمن الإحباط بامتياز. وزمن كهذا يصعب أن يكون شاهداً على أي عمل جليل، ومفيد. وتكاد الآراء تُجمع على أن الانتخابات التي تتم في هذا القطر العربي، أو ذاك، لا تخرج عن نطاق «الروتينية»، أو ما يسمى أحياناً بملء الفراغ ، والذين يأسفون لنتائج هذه الانتخابات، وما يشوبها من سلبيات واضحة يتجاهلون عامل الزمن، ومؤثراته، وما يتركه على جسد الواقع من ثقوب وعيوب، ومن غياب الرد على الأسئلة التي تُلقى دائماً قبل تلك الانتخابات، وأثناءها، وبعدها، إذ لا وقت لدى الفائز، أو العاثر، في إعطاء صورة حقيقية، أو قريبة من الحقيقة لكشف الغطاء عما تم، وكيف، تم، يضاف إلى ذلك ما تحمله البيانات المتبادلة من إدانات مصحوبة بقدر لا بأس به من الشتائم، والاتهامات التي تتلاشى وتختفي بعد وقت قصير، من دون أن يعرف المواطن البريء ماذا حدث، ولماذا فاز من فاز، وفشل من فشل، ولا ماذا ينتظره الوطن من إنجازات، وتحسين في حياة الناس، ومعيشتهم.

يقول البعض إن أية انتخابات تقام في أي قطر من أقطارنا العربية هي فعل سابق لأوانه، وإننا مازلنا غير مؤهلين على الإطلاق، لممارسة أي شكل من أشكال الديمقراطية، وإن الوطن العربي بحاجة إلى قرون من الزمن يقطع بها المراحل التي قطعتها الشعوب المتقدمة سياسياً، واقتصادياً، وهو قول سبق أن تولى عدد من المثقفين ورجال الفكر تفنيده، وإثبات خلوه من أبسط مقومات الصواب، فقد قفزت إلى الصفوف الأولى ديمقراطياً بعض الشعوب التي كانت خلف شعوبنا بقرون، عندما اكتشفت أولى معالم الطريق، وتخلصت من المعوقات الأساسية، وفي مقدمتها الأمية، والتعليم الهابط. وهاتان الإشكاليتان هما ما كان، ولا يزال، شعبنا العربي يعانيهما، ويدفع ثمن تجاهل الخلاص من أخطارهما، في غياب الاستراتيجية الوطنية والقومية التي تجعل من الأمية عاراً، شأنه شأن الاحتلال، ومن تدهور التعليم كارثة لا يجوز السكوت عنها، وتجاهل مؤثراتها، وردود أفعالها على كل المستويات السياسية، الاجتماعية، والثقافية.

والمثير للفزع في موضوع تدهور مستوى التعليم في الأقطار العربية، أن بعض الأقطار التي كانت قد صارت نموذجاً في مناهجها، ونصاعة توجهاتها المستقبلية، قد انتكست، أو بالأحرى ارتكست، وعادت إلى حيث ما كان عليه غيرها من أقطار تعيش أدنى المستويات التعليمية في العالم.

وللوصول إلى حياة سياسية متقدمة، وانتخابات برلمانية سليمة، يتوقف أولاً على تجاوز الأمية وثانياً على رفع مستوى التعليم العام، وما يتبعه من رفع مستوى التعليم الجامعي، وما بعد الجامعي، وكلها من الأمور السهلة إذا وجدت القيادة الوطنية الصادقة مع نفسها، ومع وطنها، وأدركت الواقع بكل سلبياته، وانكساراته. وإذا ما حسنت النوايا وصدق العزم فإننا لن نبدأ من الفراغ، فأمامنا نماذج قريبة، وفي شرقنا الماليزي والسنغافوري على وجه التحديد.

وكثيرة هي تجاربنا الفاشلة التي تستيقظ معها الأسئلة النائمة، والمكررة والتي ما تكاد تحرك الأشجان والمشاعر حتى تعود مجدداً لكي تنام في انتظار تجربة، أو تجارب أخرى، لتستيقظ تحت ضغط المؤثرات والسلبيات مع مستجدات شهدتها بعض الأقطار تحت ما يسمى بالتعددية الحزبية التي كان من شأنها - في زمن الإحباط - أن تكون عامل تبديد وتمزيق، وتحولت الجهود المرصودة لبناء الشعب وتطوير مرافقة إلى جهد تنافسي تصب مخرجاته في مصلحة الحزب، وإثبات وجوده، كأنه البديل عن الوطن، ومؤسساته، وطموحاته.