عبدالرحمن السلطان

بسحنته الصعيدية وجلبابه الواسع يقف بين تلاميذٍ صغار يعلمهم القرآن الكريم، يلتف عليه طلابه وقد تجاوز الثمانين من عمره ليحفّظهم سور القرآن وتفسير آياته، إلى هنا والقصة تقليدية تماماً، إلا أن المفاجأة أن العم «عياد» ليس مسلماً بل مسيحياً أباً عن جد!

هناك في قرية «طهنا الجبل» بمحافظة المينيا جنوب القاهرة لا يستغرب أبناء القرية من المسلمين أن يدرس أبنائهم وبناتهم كتاب الله على يدي مسيحي! فهو يحفظ القرآن عن ظهر قلب منذ ما كان طالباً في الابتدائية، ليمتهن في حياته تدريس أبناء وبنات القرية كتاب الله عز وجل.

هذه العلاقة بكتاب المسلمين المقدس بدأت مبكراً، إذ يقول عم «عياد العريف» إنه امتنع عن حفظ القرآن حينما كان طالباً في الصف الرابع فعاقبه مدير المدرسة، فحاول اللجوء إلى والده لينصره، لكنه طلب منه حفظ القران كما فعله هو سابقاً! الذي يقول عنه إنه كان مرافقاً لشيخ أزهري، يذهب معه إلى صوان عزاءات أهل قريتهم أو القرى المجاورة، وكان يطلب منه أن يرتل آيات من الإنجيل في عزاء المسيحيين وآيات من القرآن في عزاء المسلمين، كان يقف بين جموع المعزين ليشرح قول الله تعالى: «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا»، ثم يتنقل لعزاء مواطنيهم من المسيحيين ليشرح ما يقابلها في الإنجيل: «طوبى للأموات الذين يموتون في الرب»، في جو غير مستغرب من الألفة والمودة بين أبناء القرية الواحدة رغم اختلاف أديانهم.

لم يجد عم «عياد» أي اعتراض من أبناء قريته على تَعلم ثم تعليم القرآن الكريم رغم أنه ليس مسلماً، وحتى من داخل عائلته، بل كان والده يشجعه على حفظه كما حفظه هو سابقاً، كما لم يتلق أي اعتراض من الكنيسة، مما يؤكد قوة وشائج المودة والترابط في قرية «طهنا الجبل»، وأنه لا فرق بين مسلم ومسيحي هناك. ودعني أزيدك من الشعر بيتاً: الفصل الدراسي الذي كان يُعلم فيه عم «عياد» طلابه المسلمين القرآن كان يقع في ثلاث غرف داخل كنيسة القرية! وبقي هناك لسنوات طويلة، ولكن بعدما ازدحمت الكنيسة نقل فصول تدرسيه إلى منزله، وصار يأخذ عشرة جنيهات شهرياً على كل طالب قادر، وفي كثير من الأحيان يتنازل عن أتعابه لوجه الله.