وليد خدوري

 ارتفعت أسعار نفط «برنت» الأسبوع الماضي إلى 80 دولاراً من 77، وهذا الصعود مستمر منذ نيسان (أبريل) الماضي، إذ زادت خلاله بنسبة 7.3 في المئة عن آذار (مارس).


تتعدّد أسباب مسيرة الأسعار، منها الاقتصادي والجيوسياسي. في العوامل الاقتصادية، يبرز تحسّن نمو الاقتصاد العالمي المسجل حالياً الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على النفط. فيما تحاول «مجموعة الـ24» المكوّنة من «أوبك» وحلفائها، تقليص فائض المخزون العالمي.

أما الجوانب السياسية، فتتصدرها العقوبات الأميركية على إيران، والانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. وبما أن قرارات الرئيس دونالد ترامب كانت متوقعة، أدرجت الشركات ارتفاع الأسعار في حساباتها. لكن، ازدادت المضاربات بسبب الوضع المضطرب، وستزيد التكهنات إلى حين بلورة الصورة النهائية. أما بالنسبة إلى الدول الأوروبية، ومدى نجاحها للاستثمار في إيران وتقليص المقاطعة على شركاتها، وإذا كانت ستتمكّن من تبني سياسة «اقتصادية مستقلة» مغايرة تتحدى الولايات المتحدة، ومن ثم القرارات الباهظة الثمن لقرارات المحاكم الأميركية، في ظل تواجد شركات أوروبية كبيرة وكثيرة في الولايات المتحدة توظف استثمارات ضخمة، فضلاً عن أن الدولار يشكل عملة الصناعة النفطية وتخليص المعاملات في نيويورك، في وقت أسهم معظم الشركات الأوروبية الكبيرة مسجلة في البورصات الأميركية.

تناقش الأقطار الأوروبية حالياً سياسة اقتصادية موحدة للتعامل مع إيران، في ضوء الموقف الأميركي المتشدد، إذ لم يستبعد مستشار الأمن القومي جون بولتون في مقابلة تلفزيونية، فرض عقوبات على الدول الأوروبية المخالفة للعقوبات. وليس واضحاً حتى الآن أيضاً، في ما إذا كانت طهران ستقبل بالمطالب الأوروبية، كثمن للاستمرار في الاتفاق. إذ توجد مؤشرات إلى مواصلة إيران سياستها الحالية في تخصيب اليورانيوم، لكن ليس تجميد تطوير برنامج الصواريخ الباليستية. أما محاولة وضع حد لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط، كما تطالب واشنطن، فإن الدول الأوروبية لم تطرح هذا الأمر على طهران، إذ يوجد أيضاً تنافس على المصالح الاقتصادية بين الدول الكبيرة. وبغياب الشركات الأميركية، تطمح نظيراتها الأوروبية إلى الاستثمار في إيران، لكن الشركات الصينية تنافسها. إذ تفاهمت بكين المستورد الأكبر للنفط الإيراني مع طهران لاعتماد اليوان في عمليات الدفع، في حين أن عدداً محدوداً من شركاتها مسجل في البورصات الأميركية أو يستثمر في الولايات المتحدة. لذا، فإن الأخطار على شركاتها في التعامل مع إيران ضئيل نسبياً مقارنة بالشركات الأوروبية. وما يزيد في الضبابية توسع النزاع العسكري الإيراني– الإسرائيلي، ومدى تفاقمه. ولا يُغفل أيضاً المشهد المأسوي في الأراضي الفلسطينية هذه الأيام، ومئات الجرحى والشهداء، والإدانات العالمية للسياسة الإسرائيلية منها الدول الأوروبية وحتى بريطانيا، والاستثناء هي الولايات المتحدة.

ولا تخفى أيضاً الأوضاع في فنزويلا، التي انخفض إنتاج النفط فيها بمقدار 550 ألف برميل يومياً، أقل من التزام فنزويلا الإنتاجي.

ويشيــر تقرير «أوبك» الشهري عن أسواق النفط، إلى نمو الناتج الداخلي العالمي بمعدل 2.7 فــــي المئة هذه السنة، بعدما نما 2.3 في المئة خلال 2017. وازداد الطلب على النفط بمقدار 1.65 مليـــون برميل يومياً العام الماضي وهذه السنة. فيمـــا كانت الزيادة في الإمدادات محدودة حتى الآن، والمـتوقع صعودها من الدول غير الأعضاء في «أوبك» نحو 0.01 مليون برميل يومياً خلال هذه السنة، أو زيادة 1.72 مليون برميل يومياً ليصبح إنتاج هذه الدول 59.62 مليون برميل يومياً.

وارتفع إنتاج الدول الأعضاء في «أوبك» نحو 12 ألف برميل يومياً في نيسان الماضي، ليصل معدله إلى 31.93 مليون برميل يومياً. وخفضت المنظمة وحلفاؤها في «مجموعة الـ24» الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يومياً منذ بداية 2017، لتقليص فائض المخزون النفطي ليعادل مستوى السنوات الخمس الماضية.

وتدنى المخزون التجاري العالمي في آذار الماضي، بحيث أصبح 9 ملايين برميل فقط أكثر من معدله للسنوات الخمس الماضية، ما يعني أن «مجموعة الـ24» نجحت في تحقيق هدفها.

لا يزال من المبكر معرفة الآثار المترتبة عن «سياسة الاستقلال» التي تود الدول الأوروبية تبنيها في مقابل سياسة ترامب «أميركا أولاً». وتفصل عن بدء النزاع الحقيقي ستة شهور، إذ طالبت واشنطن الشركات خفض استيراد النفط الإيراني أولاً، ومن ثم المباشرة في إلغاء عقودها مع طهران في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ما قد يؤدي إلى تقليص الصادرات الإيرانية بنحو مليون برميل يومياً.

وستراقب الأسواق قرار الشركات الصينية، وإذا كانت ستقاطع أم لا، خصوصاً في ظل الحرب التجارية التي أعلنها ترامب على الصين. ولا يُغفل أخيراً، النزاع مع إسرائيل وتحديداً الصراع الإسرائيلي- الإيراني ومدى توسعه.

الصعود الأخير للأسعار جيواستراتيجي أكثر منه اقتصادي، لأن العرض والطلب متوازن تقريباً، والأهم من ذلك توافر طاقة إنتاج فائضة، يمكن أن تعوض النقص في الصادرات. فإلى أي مستوى سيرتفع معدل الأسعار، فذلك يعتمد في المرحلة الحالية على وتيرة تصاعد النزاعات العسكرية في الشرق الأوسط.

يتضح للوهلة الأولى عدم توازن العرض والطلب نتيجة فقدان حجم كبير من الصادرات الإيرانية والفنزويلية، لكن على رغم فقدان هذه الإمدادات الضخمة، لا تزال توجد طاقة إنتاجية فائضة تستعد تعويض النقص، إذ يتوافر ما يزيد على ثلاثة ملايين برميل يومياً للطاقة الإنتاجية الإضافية، واستعداد الدول المعنية لضخ الإمدادات لإعادة التوازن إلى الأسواق، ما يكفل استقرار الأسعار.

لكن ما يحصل الآن، هو تصاعد الصراعات العسكرية في الشرق الأوسط. فهل سيبقى الصراع الصاروخي بين إسرائيل وإيران محصوراً بالأراضي السورية، أم سيتوسع إلى دول أخرى أو يبدأ تبادل القصف بين البلدين. في هذه الحال، ستعتبر الأسواق ذلك، حروباً إقليمية خطرة على الصناعة النفطية وطرق الإمدادات، المتوقع أن تفضي إلى استمرار ارتفاع الأسعار.