سلمى القشيري 

على خلفية الأحداث القائمة في فلسطين، إثر نقل السفارة الأميركية إلى القدس، القرار الذي رفضه مجلس الوزراء السعودي ودانه، كذلك الموقف العربي على حدٍ سواء، ارتفعت الأصوات الضوضائية والغوغائية هنا وهناك، والتي عادت بالذاكرة إلى تاريخ هذه القضية، وكيف كان الموقف السعودي، خاصة في أحلك ظروفه وأقساها، وما بذله تجاه هذه القضية وشعبها طوال ما مرت به من أحداث عسكرية وثورات في حركة نضالها ضد المحتل. 

وقد تبلور ذلك الموقف في شخص الملك عبدالعزيز، الذي تولى زمام الأمور في قيادة شعبه نحو التوحيد والتأسيس، فكان للملك عبدالعزيز مواقف العربي المسلم، وجاء إسهامه في قضية فلسطين بسعيه، وماله، ورجاله في أصعب الأحوال وأشدها ضيقا. 
ويتبين لنا ذلك عندما وقعت الأزمة المالية العالمية 1929، التي ضربت آثارها العالم أجمع، بما فيها بلاد الملك عبدالعزيز التي عاشت بسببها ضائقة مالية عصفت بمواردها وزعزعت اقتصادها، أن زامنتها ثورات في فلسطين واستمرت أحداثها طوال فترة الأزمة المالية العالمية. من ثورة البراق 1929 إلى ثورة فلسطين الكبرى 1936. 
طوال هذه الفترة الحرجة بالنسبة للشعب السعودي والدولة، ورغم ما كانوا يعيشونه من ضيق مالي، لم يتوان في دعم القضية والشعب الفلسطيني ماليا عبر جمع التبرعات والصدقات من أهل البلاد الذين كان بعضهم من شدة الجوع غذاؤه من أوراق الشجر أو يلقون مصرعهم لذلك. 
والمتصفح لأعداد جريدة أم القرى في تلك الفترة، لا يكاد يجد عددا يخلو من إعلانات جمع التبرعات بشكل مستمر، ولحث الميسورين على الدعم والتبرع، كانت صحيفة أم القرى تنشر ما جُمع من تبرعات، وكيف وصلت الشعب الفلسطيني وتمت الاستفادة منها. 
لم ينته هنا الموقف السعودي، فعندما كانت الدولة السعودية وحدها المستقلة في الجزيرة العربية، أخذت على عاتقها مسؤولية الدفاع عن القضية الفلسطينية، ومخاطبة الحكومة البريطانية، ومعاقبة كل من تعدى على أفراد الشعب الفلسطيني الذي كان واقعا حينه تحت الانتداب البريطاني، وواصل الملك عبدالعزيز الجهود مع الحكومة البريطانية بأحاديث مباشرة، بينه وبين وزرائها المفوضين في جدة، وبواسطة خارجيته، وممثل حكومته في لندن مبينا في كل موقف أن السياسة البريطانية التي انتهجها البريطانيون في ذلك البلد العربي المقدس، تتنافى مع العلاقات الدبلوماسية التي تنشدها بريطانيا من المسلمين والعرب، وتخالف عهودها ومواثيقها، وكانت بريطانيا تضع في بالها حساب ردة فعل الملك عبدالعزيز، وتتجنب ما يجعلها تدخل معه في مناوشات سياسية. 
وعندما اشتدت الثورة الكبرى عام 1936، قام الملك عبدالعزيز بمساع مشتركة مع الحكومات العربية المستقلة حينها، والتي يمكن أن توافق على الاشتراك في ذلك؛ ملك العراق، وملك اليمن «امام»، وأمير شرق الأردن. 
فأبرق إلى رئيس الوزارة العراقية ياسين باشا الهاشمي، وقد تضمنت البرقية طلب فسح المجال للعرب لنقل قضية فلسطين من قضية بين أهاليها وبريطانيا واليهود، إلى قضية عربية عامة وعالمية. وأبرق إلى ملك اليمن والعراق وأمير شرق الأردن، يقترح تعاون الممالك العربية في الوقف مع الشعب الفلسطيني في وجه السياسة الإنجليزية في الشرق الأوسط، ومع الفلسطينيين على وجه الخصوص، وظلت مطالبات ملوك العرب حتى أرسلت الحكومة البريطانية لجنة ملكية بريطانية للنظر في مطالب الفلسطينيين وتحقيقها. 
لم تقتصر الجهود على هذه الفترة من التاريخ، واستمرت جهود الملك عبدالعزيز وأبنائه من بعده، واستمرت حكومة المملكة العربية السعودية تولي القضية الفلسطينية وقضية القدس اهتماما كبيرا. وعدّتها قضية مركزية، وهي محور سياستها الخارجية وعلاقتها الدولية. مع ذلك وبعد كل هذا نجد خفافيش الظلام حديثة الاستقلال، تحاول التشكيك في دور السعودية شعبا وحكومة تجاه القضية، وتحمّلها كل نكبات الأمة، وكأنها هي من أعطت وعد بلفور.