عماد العباد

بين فترة وأخرى، يطلب مني بعض طلاب المرحلة الثانوية المشورة حول دراسة تخصص الإعلام بالجامعة، وأنصحهم دائماً بتجنب الإعلام التقليدي إذا ما أرادوا مصدراً للمعيشة، وأن يفكروا في تخصصات تلبي حاجة سوق العمل، أما ممارسة الإعلام إذا كان شغفاً ومحبة فبإمكانهم تعلمه عبر الدورات والتدريب؛ لأن العمل في المجال الإعلامي ببساطة "ما عاد يوكل عيش".

كانت مهنة الصحافة على مدى عقود طويلة من المهن ذات المداخيل العالية، ويقف الصحفي في مصاف الطبيب والمهندس من حيث حجم الدخل الشهري، بل ربما يتفوق عليهما في حال كان صحفياً لامعاً. أذكر أنه في السنوات السابقة، كان الصحفيون الجيدون مثل لاعبي كرة القدم، تقوم منافسة مالية بين المؤسسات الصحفية لإغوائهم بالانتقال أو الاستمرار في ذات الوسيلة الإعلامية، أما اليوم فقد أصبح التحدي كبيراً أمام وسائل الإعلام للاستمرار بذات اللياقة المادية التي كانت تتمتع بها على مدى عقود من الزمن، إذ لم تعد قادرة على إغراء الصحفيين الماهرين، وذلك بسبب الصعوبات التي تواجهها في زمن الإعلام الرقمي الجديد، والذي أصبح يقدم منصات إعلانية متنوعة قضمت الكثير من حصة الإعلام التقليدي.

هذا الضعف في المداخيل سوف يكون له انعكاسات سيئة على دور الصحافة في المجتمع، تلك السلطة الرابعة التي ساهمت في تغيير الكثير من الظروف نحو الأفضل على مر السنين، ويأتي ذلك بالتزامن مع تحلل وظيفة الصحافي بعد أن أصبح الكل بهواتفهم المحمولة وسائل إعلام متنقلة، وبالتالي فقدت الأخبار مصداقيتها، وأصبحنا أمام كم هائل من المعلومات والأخبار التي لا نثق في دقتها.

مستقبل الإعلام بملامحه المعروفة مازال مجهولاً، فبعد التنبؤ بموت وسائل الصحافة التقليدية، أصبحت البدائل تولد وتموت سريعاً، وإذا كنا نعيش في عصر تويتر كمصدر للمعلومات فهناك خبراء يرون أنه لن يدوم طويلاً، ويتنبؤون بـ"موت" قريب لتويتر، وولادة وسائل أخرى تحل مكانه.

وسائل الإعلام التقليدية مطالبة بتحرك يضمن لها البقاء، ومن ذلك أن تمارس مرونة عالية للتأقلم مع توجهات الجمهور، والتماهي مع المنصات الجديدة، وإيجاد مكان لها يسمح ببقائها على قيد الحياة، وأظن أن جمهور المتلقين سيسأم من الأخبار المزيفة، ويعود بطريقة أو بأخرى لمصادر الإعلام الموثوقة، لكن وبكل تأكيد لن تكون بالشكل التقليدي الذي تعودنا عليه.