صفوق الشمري

الهبة الأوروبية ضد فسخ الاتفاق الإيراني زادت الشكوك بقوة عن شبهات فساد لمنتفعين وسياسيين استفادوا من الاتفاق، وكما هو معروف عن النظام الإيراني حرصه على شراء الولاءات ودفع الرشاوى ثم الابتزاز «لا ينبغي أن يكون الفساد والنفاق من المنتجات الديمقراطية التي لا مفر منها، كما هو بدون شك الحال اليوم» المهاتما غاندي بتصرف.
يقول تينيس وليميز «الشيء الوحيد الذي أسوأ من الكذاب، هو عندما يكون الكذاب منافقا أيضا». 


قبل انسحاب أميركا من صفقة إيران سيئة الذكر، قامت أوروبا بعددها وعديدها بمجهود كبير وحج متواصل للبيت الأبيض، لإقناع الرئيس ترمب بالإبقاء على الاتفاق النووي، فشلت المساعي الأوروبية، وانسحب ترمب من أسوأ صفقة وقّعتها الولايات المتحدة في تاريخها، وبعد الصفقة انبرى بعض الأوروبيين للدفاع عن الصفقة، وأنه يجب أن تبقى ويجب الالتزام بها إلخ. 


كل هذا مفهوم من واقع المصالح التجارية الأوروبية والصفقات، لكن هناك شيء لافت للانتباه، وهو كما قال تينيس لا أسوأ من الكذب إلا النفاق، وفي هذه الحالة يتمثل ذلك في ألمانيا وممثلة الاتحاد الأوروبي. 
ألمانيا تبشر العالم بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وتضعها شماعة في كل مناسبة، وفي الوقت نفسه تساند النظام الإيراني، بل هي عرابة التحرك الأوروبي ضد أميركا، لا أعلم إن كانت ألمانيا تجهل أن النظام الإيراني هو المتسبب في مقتل نصف مليون سوري، وتهجير 10 ملايين لأسباب طائفية، أم أن النظام الإيراني يوزع ورودا في سورية من وجهة نظر ألمانيا. الساسة الألمان يزمجرون ويتوعدون، وأوقفوا صفقات تسلّح للسعودية حتى قبل حرب اليمن، بحجة حقوق الإنسان والديمقراطية، وفي الوقت نفسه من يسمع كلام الساسة الألمان عن الصفقة الإيرانية يحسّ أن النظام الإيراني الأم تريزا!، لم أر دولة مزدوجة المعايير مثل ألمانيا، قد يقول قائل: إن فرنسا هي من تقوم بالمجهود الرئيسي بالدفاع عن الصفقة النووية مع إيران، على الأقل فرنسا تقولها علانية وبالفم المليان إنها تقوم بحماية صفقاتها الاقتصادية، ولم تتحجج بحقوق الإنسان والديمقراطية مع بقية الدول، وحتى الحماس الفرنسي جزء منه جاء بدفع من ألمانيا التي تعرف أن علاقتها بترمب باردة فوضعت الفرنسيين في الواجهة!. 


الجميع يعرف عن صفقات السكك الألمانية مع إيران، فلا داعي للكذب والنفاق، وإزعاج العالم بشعارات حقوق الإنسان.
ألمانيا مستعدة كي تضحي بالعرب وبمصالحها مع الخليجيين، خصوصا التجارية التي هي أضعاف حجم تعاملها التجاري مع إيران، من أجل عيون النظام الإيراني الذي يصنف دوليا بأنه الراعي الأول للإرهاب والقتل، ومنتهك حقوق شعبه ومعذبهم، وعراب التخريب للدول المجاورة له، ومع ذلك تتشدق ألمانيا بحقوق الإنسان! 
أفضل وصف لحالة ألمانيا، هو مقولة دون كينج «النفاق هو أم كل الشرور، والعنصرية هي طفلها المفضل» هل تعتقد ألمانيا أن العلاقة والدم الآري الذي يجمعهم مع الفرس يستحق كل هذا الدفاع، ألم أقل لكم إنها نفاق وعنصرية. 
هناك من يقول، إن مشكلة ألمانيا مع الخليج، أن الخليجيين لا يستخدمون إمكاناتهم الاقتصادية والتجارية للضغط الدبلوماسي، إيران تبتز الدول بالمصالح الاقتصادية، بينما الخليجيون بالعامية (حليلين) ما يقاطعون الشركات ولا يلغون تعاقداتها، فلا تهتم الدول كثيرا بمصالحهم ما دامت مصالحها التجارية ماشية!.
قبل توقيع الاتفاق النووي الإيراني، كتبت وحذرت منه إنه سيئ للغاية، وبعد التوقيع مباشرة كتبت وقلت بالحرف، إنه أسوأ مما توقعت، وكتبت مقالا تحدثت فيه: إن الاتفاق النووي الإيراني ببساطة وبالمختصر: هو عبارة عن رجل يحمل مسدسا ويهدد به من حوله، فجاء الأوروبيون وأوباما وقالوا له: لن نأخذ سلاحك، بل ضع مسدسك في جيبك وفك مخزن الطلقات وضعه في الجيب الآخر، وسنعطيك كثيرا من الأموال، لكن الواقع أن الرجل ما زال يمتلك السلاح، ومتى ما أراد وضع المخزن في المسدس وأطلق النار.
دعونا نكون صريحين، بعض الكُتّاب سكت عن الاتفاق النووي الإيراني في حينه، من باب ينتظر كيف يكون الرد الحكومي، وطبعا هذا غير محبذ في مثل هذه المواقف، لأن الرد والاستجابة الحكومية تختلف عواملها وحساباتها، وأيضا لغتها الدبلوماسية، لأني الآن أرى حماسة حاليا من البعض في الهجوم على الاتفاق النووي، أين كنتم منذ سنوات ونحن نحذر منه؟، لا أعرف لماذا بعض الكُتّاب يعتقد نفسه أنه يمثل البلد، أنت كاتب فقط، والبلد أكبر منك، وهناك من هو مخصص للكلام باسم الحكومة، فرأيك ككاتب يجب أن يكون واضحا وصريحا وفي وقته، رأيك يمثلك شخصيا، ولا يمثل الدولة التي لها من يمثلها. 
الهبة الأوروبية ضد فسخ الاتفاق الإيراني زادت الشكوك بقوة عن شبهات فساد لمنتفعين وسياسيين استفادوا من الاتفاق، وكما هو معروف عن النظام الإيراني حرصه على شراء الولاءات ودفع الرشاوى، ثم الابتزاز. 
عموما، سمعته سيئة للغاية، فلا يخاف أن تضاف إليه تهمة إضافية، ابتزاز وفساد، مما أجبر بعض الأوروبيين للقيام بهذا المجهود. 
في السياسة العالمية، الضغط والمصالح الاقتصادية هما أداتان مهمتان جدا في فرض النفوذ، ولكن هل الخليجيون فعلوها بشكلها الصحيح؟، لسنا نطالب بابتزاز كما إيران، ولكن على الأقل نفوذ.
يقولون كثيرا عن الرئيس ترمب، وأن تصرفاته غير متوقعة وغريبة، لكن صراحة نحترم ترمب على وفائه بوعوده الانتخابية، رغم أنني ضد نقل السفارة الأميركية إلى القدس الشريف عاصمة فلسطين، لكن على الأقل لا يملك وجوها كثيرة، كما يفعل الأوروبيون. ألمانيا استقبلت اللاجئين السوريين، وفي الوقت نفسه تساند قاتلهم ومشردهم إيران!، يذكرنا ذلك بمقولة «بعض الناس سيطعنونك في الظهر ثم يسألونك لماذا تنزف؟». 
إن تكون سيئا أو مخطئا فكلنا خطّاؤون، فالخطيئة جزء من حياة البشر، لكن أن تدّعي الفضيلة وتتهم الناس بأخطائك نفسها، وتستخدم المعايير المزدوجة لتبرير نفسك، فذلك قمة النفاق وعرينه! 
يقول ويس فيسلر «النفاق هو الجرأة على التبشير بنزاهة عرين الفساد».