خالد بن حمد المالك

 مضت شهور على اللغط الكاذب حول احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بالمملكة، في حين أن الحريري ترك الرياض وأخذ طريقه إلى لبنان، وتراجع عن استقالته التي كان قدمها، ولم يصرح بكلمة واحدة عن هذا الاحتجاز المزعوم إلى اليوم، فما الذي دعا الرئيس الفرنسي ماكرون إلى استدعاء هذه الأخبار الملفقة، ويتحدث متأخراً جداً عن رواية خيالية افتعلها خصوم المملكة وروجوا لها، وصدقها الرئيس الفرنسي، كما فعل ذلك وزير خارجية ألمانيا السابق من قبل.

* *

حسناً إذ أسرع المصدر المسؤول بوزارة الخارجية في تصريح له بالتأكيد على أن ما ذكره الرئيس الفرنسي بأن المملكة احتجزت دولة رئيس الوزراء اللبناني غير صحيح، وأن المملكة كانت ولا زالت تدعم استقرار وأمن لبنان، بل وتدعم الرئيس الحريري نفسه بالوسائل كافة، وهو ما يعني أن كلام الرئيس الفرنسي بُني على معلومات غير صحيحة، وبلا دليل، وبناء على ما روجه أعداء المملكة.

* *

العلاقات السعودية - الفرنسية على امتداد التاريخ علاقات جيدة، وهناك تفاهم وتعاون مشترك في المجالات كافة، ولا نريد أن يشوش عليها تصريح من هنا أو هناك، ولا نريد أن تتأثر سلباً باختراق يسعى لغير مصلحة الدولتين، ولهذا لم يكن من الحكمة في شيء أن يخرج الرئيس الفرنسي، ويتحدث عن احتجاز مزعوم للرئيس الحريري، وهو الذي غادر المملكة إلى لبنان برغبته، واستجاب للضغوط اللبنانية للعدول عن استقالته، ليزور المملكة بعد ذلك، ويغادرها ثانية دون أن يمسَّه ما سُمِّيَ بحجزه في المملكة.

* *

دول المنطقة وليست المملكة فقط تواجه تحديات كثيرة، أهمها التدخل في شؤونها الداخلية، ودعم الإرهاب، ومحاولة خلق أزمة بين الشعوب وقادتها، وتشجيع ما تسمى بعناصر المعارضة على العصيان، وإيجاد تنظيمات لا تخدم الاستقرار في هذه الدول، فضلاً عن أنها لا تساعد على الأمن والسلم في العالم، وتقف المملكة بحزم ضد كل ما يمس أمنها واستقرارها، أو ينال من أشقائها في دول الجوار، باعتبار أن ما يسيء إلى الأشقاء يسيء إلى المملكة.

* *

وكنا نود لو أن الرئيس الفرنسي ركَّز في لقائه مع قناة (بي.إف.إم) التلفزيونية على سبب عدم الاستقرار في المنطقة وحددها في إيران وأدواتها كحزب الله الإرهابي، فإيران تمد المليشيات الحوثية بالأسلحة والصواريخ البالستية التي تستخدمها ضد المدن السعودية، وحزب الله الإرهابي هو من اغتال الرئيس رفيق الحريري ومعه عدد من اللبنانيين في جريمة تفجير دموية، فيما أن المملكة تتطلع لمواجهة قوى الفوضى والدمار وعلى رأسها إيران بالتعاون (المفترض!) مع الرئيس الفرنسي ماكرون لمنع أهدافها ومخططاتها.

* *

لا شك أن لفرنسا مكانة كبيرة لدى المملكة، وأهمية لا يمكن أن نقلل منها، وأن التعاون معها يخدم العلاقات السعودية - الفرنسية، اقتصادياً وتجارياً وعسكرياً، وللجانب الفرنسي حضور قوي في المملكة، ممثلاً في الشركات الفرنسية التي تعمل في المملكة، وبالاتفاقيات الموقعة بين الطرفين لتنظيم الصادرات والتجارة والاقتصاد والتعليم وكثير من احتياجات ومتطلبات المملكة.

* *

وأمام هذا، فمن الخطأ أن يصدر أي تصريح يمس هذه العلاقة، بينما هناك فرصة لمعالجة أي تباين في وجهات النظر، وتوضيح ومعالجة أي سوء فهم في أي موضوع كما هو في حالة الادعاء باحتجاز الرئيس الحريري، إذ إن أي إجراء أو تصرف من شأنه أن يؤثر سلباً على العلاقات يجب أن يتم سريعاً معالجته عبر القنوات الرسمية، بعيداً عن وسائل الإعلام.

* *

ومن المؤكد أن المملكة بحجمها الاقتصادي والسياسي والأمني وشراكاتها مع الدول ستظل في عين الحدث، وأن كل ما يصدر من الرياض سوف يكون موضع متابعة، وأن كل موقف منها سوف يكون في دوائر الاهتمام العالمي، ولهذا فهي تتعامل بردود فعل مسؤولة، مع كل موقف لدى الآخر ترى أنه لا ينسجم ولا يتوافق مع سياستها، وذلك بالإيضاح والتصحيح وتبيان الحقائق من جانبها، وهذه الدبلوماسية في التعامل هي عين الصواب لاحتواء أي تطورات سلبية لا تخدم علاقاتها مع غيرها من الدول، كما هي الآن مع تصريح الرئيس الفرنسي.