سمير عطا الله 

سوقي القطيع إلى المراعي/ وامضي إلى خضر البقاع/ ملأ الضحى عينيك بالأطياف من رقص الشعاع/ وتناثرت خصلات شعرك للنسيمات السراع
ذلك مطلع أغنية جميلة من المطالع الأولى في أعمال الأخوين رحباني، عنوانها «إلى راعية». ولا يُخفى أن الراعي الذي كتب القصيدة هو إما منصور أو عاصي الرحباني. كلاهما في الفتوة عمل راعياً في جرود ضهور الشوير، وطارد الماعز الشارد بالحجارة. وكلاهما «يشدو يقول وصوته الداوي يهيم بلا انقطاع/ سمراء يا أنشودة الغابات يا حلم المراعي».


ماذا كان حلم نجاة بلقاسم وهي تسرح الماعز في الريف المغربي؟ الأرجح، كان أن تسرح مزيداً من الماعز، وربما قطيعاً جميلاً من الغنم. لكن والدها سئم الحقول وقرر أن يبحث للعائلة عن حياة أكثر خبزاً في فرنسا. جاءوا إلى ضواحي مدينة اميان. وانتقلت من الحقل إلى المدرسة، ومن المدرسة إلى الجامعة، ومن الجامعة إلى الحزب الاشتراكي، أي الطريق إلى العمل السياسي. هل تدري ما الحقيبة الوزارية التي أُعطيت للراعية المغربية؟ أن تكون أول امرأة تُعيّن وزيرة للتربية والتعليم العالي والثقافة (2014)، أي تلك الحقيبة التي أعطاها شارل ديغول ذات يوم لأندريه مالرو.


أين كلمة السر في هذه الراعية الباسمة؟ أو في أي جزء من خلاياها التي هي خليط مغربي - جزائري - إسباني ولدت في عام 1977؟ هناك عبقريتان خارقتان: عبقرية نجاة بلقاسم وعبقرية المجتمع الفرنسي الذي كان قائماً على الدوقات والكونتيسات والحظايا، فأصبح لا يلتفت إلى أنه وضع أهم مسؤولية أدبية في يد راعية من الريف المغربي.


ماذا عن المجتمع اللبناني الذي جعل الأخوين رحباني وفيروز أهم ظاهرة فنية في تاريخه؟ ليس هو من جعلهم، ليس هو من احتضنهم. هم من اقتحموا الأبواب وراحوا يشدون من النوافذ أجمل الشدو وأعذب الألحان. وحملوا معهم من عالمهم القديم في الجرود ما أصبح لوحات مسرحية رائعة، لولاها لكان لبنان أقل جمالاً وأرزاً.
وما هو الأرز في أي حال من دون أهله؟ وكم أرزة من أرز إفران تساوي هذه السيدة التي أجلسها المستعمر السابق في أعلى كراسيه التعليمية؟
إلى اللقاء.