علي سعد الموسى

في سمرة رمضانية ليلة البارحة يطرح أحد الإخوة الكرام ذات السؤال الفكري والنخبوي القديم المتجدد: هل كان الإصرار على إلغاء الفوارق الثقافية وتذويب الهويات المختلفة مسلكا اجتماعيا صحيحا في بدايات تكوين الدولة السعودية الثالثة على يد الإمام المؤسس؟

وبالطبع، نحن نحكم على مثل هذا المنهج في ظروف اليوم وفي طبيعة المرحلة الراهنة دون بعد النظر الذي يقرأ تاريخ تلك المرحلة قبل ما يقرب من مائة سنة. والجواب المباشر الصريح أن هدم الفوارق الثقافية والقبلية والمناطقية وحتى المذهبية كان ضرورة حتمية لتوحيد وجهة وطريق وانتماء شعب من الشتات المخيف، لم يتوحد من قبل بكل هذه المساحة وهذه الفسيفساء منذ ما يقرب من ألف سنة. سأذهب إلى ضرب مثالين جازما بأنهما من أفكار الإمام المؤسس من أجل وحدة الهوية.

الأول: وهو مجرد أنموذج، كان في إرسال الشيخ عبدالله القرعاوي إلى نهاية المتر الأخير من حدود الدولة السعودية الوليدة. وفي قراءتي الخاصة أن مهمة الشيخ كانت سياسية خلاقة تهدف إلى مد الغطاء السلفي والمذهب الحنبلي ليحل مكان تلك القطعة الجغرافية الشاسعة ذات العمق الشافعي التاريخي، هذا إذا ما لاحظنا أن الإمام المؤسس- رحمه الله- كان عازفا جدا عن ضمِّ أي مساحة زيدية إلى خريطة وطنه، لكي لا تختلو عليه معالم بناء وحدة متجانسة. وللتأكيد، فقد أمر نجله، فيصل بن عبدالعزيز، بالانسحاب، رغم أن جيشه كان في قلب اليمن رافعا رايته في خاصرة الحاضنة الزيدية. في المقال الثاني: كان بناء الحاضرة السعودية بالرياض ومن بعدها مدن الحجاز الثلاث الكبرى ومدن سواحل الخليج، ثم كان التخطيط الاستراتيجي لهذه المدن المركزية كي تكون معامل استقطاب لمئات آلاف المهاجرين إليها من كل منطقة وحاضرة وقبيلة نحو بوصلة الانصهار المجتمعي، ومن أجل التعايش الذي يؤسس لهوية واحدة محددة. كان لهذه الحواضر الكبرى دور في إذابة الفروق في اللهجة وهي المعيار الأساسي في علم الاجتماع للحكم على نجاح وحدة أي شعب.