خالد أحمد الطراح 

نشر الأخ الفاضل مشاري جاسم العنجري مقال «الجدل لا يزال مستمرا» (القبس 1 – 6 – 2018)، مسترجعا ما سطّره في أبريل 2010 بعنوان «جدل بلا طائل»، تفاعلا مع افتتاحية القبس «قبل ان تتلاشى»، وهو عنوان لمبادرة متواضعة لبعض كتّاب القبس وآخرين ايضا بهدف اعادة قرع اجراس خطر الفتن في الوسط السياسي الرسمي وغير الرسمي وكذلك الوسط النيابي والاجتماعي ككل.


اننا فعلا امام «مشهد مكمل لمسلسل يترجم سيناريو يتم تحديثه بحسب الظروف السياسية بمباركة ورعاية من اطراف مستفيدة من تقسيم المجتمع بحسب الطائفة والمذهب والقبيلة»، وهو جزء مما ورد في مقالي بنفس يوم انطلاق المبادرة، فنحن اليوم امام تهاون من السلطة الحكومية بالدرجة الاولى التي اندفعت من دون حسبة حصيفة نحو صمت مطبق وتجاهل لتداعيات تشويه وتخريب للتركيبة السكانية منذ عشرات السنوات، وتحديدا حين برزت تحالفات حكومية – قبلية معروفة تاريخيا من عمر الحياة الديموقراطية، وتلا ذلك التوسع بتحالفات من خلال نافذة المحاصصة الطائفية والقبلية والفئوية ايضا.
اتذكر في مطلع التسعينات بعد تحرير الكويت بعض الحوارات الشعبية – الرسمية بهدف مناقشة مخاطر التحالفات الحكومية والتهاون الذي كان يخشى منه تنامي نزعات تمزيق نسيج المجتمع الكويتي، وهو ما دفع الأخ مشاري العنجري في 2010 إلى التحذير منه صحافيا الى جانب دوره السياسي بصفته مواطنا حريصا على مستقبل الكويت وشعبها وليس بصفته نائبا سابقا في مجلس الامة، فهو من الشخصيات المعروفة بتواضعها وتحركها النشط بعيدا عن الاضواء.
نحن اليوم نواجه مرحلة تجاهل رسمي لما تشهده الساحة المحلية من فزعات قبلية وعائلية وطائفية ومذهبية ايضا تحظى، من الضفة الاخرى، بدعم بعض نواب الامة والمؤثرين في القرار الحكومي، فمن الواضح ان هناك تيارا يركز على تغذية هذه الانحرافات وإقناع الحكومة ايضا بأن سياسة المحاصصة حتى لو ظهرت بشكلها القبلي والطائفي والفئوي فإنها طوق نجاة الادارة الحكومية!
لعل التشكيلات الوزارية المتعاقبة بما في ذلك ما خرج قبل سنوات بما يعرف بالمشاورات قبيل التشكيلات الحكومية خير دليل على مضي سلطة القرار الحكومي نحو تكريس التجاهل لكل أشكال التفرقة التي لم يعرفها المجتمع الكويتي اساسا!
على الرغم من وجود اصوات وشخصيات مستقلة كالأخ مشاري العنجري الذي تمسك بموقف حيادي في ظل امواج عاتية من التجاذب السياسي والاجتماعي، فإن حتى مثل هذه الاصوات لم تحظ بصدى وتجاوب رسمي ينقذ الكويت وشعبها من نار الفتنة التي تمددت اليوم بشكل سافر في المؤسسة التشريعية ايضا.
نظام الصوت الواحد الانتخابي قد يكون احد مصادر ترسيخ الاصطفاف القبلي والطائفي والفئوي ايضا، ولكن لا بد من الاعتراف بأن هذا الاصطفاف لم يكن مولدا حديثا، وانما هو في الواقع مولد أصبح ناضجا اليوم يجول ويصول في المجتمع بتجاهل السلطتين.

نار الطائفية ليست اقل خطرا من نيران القبلية والفئوية، وما نشهده اليوم ليس سوى نتيجة التجاهل والتهاون لمصادر التفرقة وانتشار ظاهرة التمييز والاصطفاف المفتعل، فالذي قد نفقده اليوم بالنار نجده في الرماد، حيث تكون الخسارة اكبر مما نتصورها اليوم.
لا تجعلوا من ينفخ في نار الفتنة يعيش كأسطورة!