كلمة الاقتصادية

الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي ـــ الإماراتي، حقق فورا قفزات نوعية. والسبب يعرفه الجميع، وهو أن المجلس يعتمد على العمل والحقائق، وعلى العلاقات التاريخية، وعلى تلك التي تندرج ضمن نطاق التطور، بحكم المعطيات التي تنتجها المتغيرات الطبيعية. 

وهذا الاجتماع (الأول) أثبت أيضا أن العلاقة التي تجمع المملكة بالإمارات تمتاز بقوة متعاظمة، والأهم بقوة واقعية، لا صوتية كتلك التي اعتاد العرب عليها. علاقات تصنع منجزات، لا بيانات استهلاكية. علاقات تحاكي المستقبل، من أجل مصلحة شعبيّ البلدين، لا أوهام لا تلبث أن تمضي أدراج الرياح. علاقات تعطي في الواقع دروسا لمن يرغب في التعلم على الساحة الإقليمية. إنها قوية بصدقها، وهذا من أهم مزاياها، وصلبة باستراتيجيتها، ومتينة بالقيادات التي تشرف عليها مباشرة. 

وقبل هذا وذاك، أنها تؤكد الحقيقة الجلية التي صنعها التاريخ لهذين البلدين العربيين المحوريين إقليميا وعالميا. "استراتيجية العزم" التي اعتمدها مجلس التنسيق، أخذت توصيفها في الحقيقة من واقع العلاقة، وهي كبيرة بما يتناسب مع مكانة الرياض وأبوظبي، كما أنها تمثل منطلقا لمزيد من الخطوات المتجددة والجديدة التي تتطلبها المرحلة المقبلة. الاستراتيجية تضمنت 44 مشروعا، لكن مهلا، هذه المشاريع لم تظهر هكذا، بل صنعها جهد كبير من قبل البلدين استمر عاما كاملا، ما يؤكد مجددا، نجاعة مشاريع تطرح بهذا 
المستوى وبتلك القيمة وبنوعية القيادة. 

وتكفي الإشارة فقط إلى محاور الاستراتيجية المذكورة، للتأكيد على جدوى هذه الخطوة. إنها محاور ثلاثة، الاقتصادي، البشري والمعرفي، والسياسي والأمني والعسكري. إنها في الواقع تصنع مستقبلا عالي الجودة، لشعبين يستحقان أرقى مستويات العطاء. كما أنها أي "استراتيجية العزم"، تستند إلى ناتجين محليين إجماليين يبلغ تريليون دولار. أي أنها تملك أدواتها. 

ورغم ثنائية الحدث، إلا أن المملكة والإمارات تتعاطيان معه كنموذج تكامل عربي واستثنائي. وهو كذلك بالفعل، استنادا إلى ما يمثله البلدان على الساحتين الإقليمية والعالمية. فالكبار دائما يقدمون الأمثلة التي تحتذى، فما بالنا ببلدين يصنعان التاريخ في زمن حاضر، ويبنيان مستقبلا أفضل لشعبيهما. إنه التكامل الذي ينتج التنمية المستدامة، كما أنه حاضن لكل ما في خير البلدين والمنطقة والعالم أيضا. 

ولا بد من التأكيد هنا مرة أخرى، على وجود طبيعي لأدوات التنفيذ عالية الجودة. ناهيك طبعا على إدارة لدى الرياض وأبوظبي لا تقبل بالحلول الوسط في إتمام المهام. إنها تستهدف دائما الدرجة التي تسبق الأولى. هذا هو النجاح المضمون، والناتج الحاضر. إن تاريخا عربيا حقيقيا ومشرفا وناجحا يصنعه بلدان في قلب الأمة العربية، يمسكان بموازين الخير لها. 

الجانب السياسي في "استراتيجية العزم"، موجود على الساحة بصورة يومية، وعوائده حاضرة عليها بأوضح الصور. ومواقف البلدين تحظى دائما باحترام القوى العالمية، بل تعدها هذه الأخيرة مرجعا لها في كثير من القضايا المطروحة على الساحتين الإقليمية والعالمية. ناهيك طبعا عن مواقفهما حيال القضايا المتفاعلة، وهو موقف متطابق يستند إلى العدل والسلام والحق والعلاقات الطبيعية. يضاف إلى ذلك موقفهما الأقوى دائما حيال القضايا المحورية العربية، ولا سيما القضية الفلسطينية. إنه موقف يقف مع مصلحة الشعوب، ليس فقط في زمنها الحالي، بل في مستقبلها أيضا. والأدلة على ذلك تملأ الساحة لمن أراد أن يرى بعينيه مباشرة، ولمن أحب الحقيقة لا الأوهام. "استراتيجية العزم" أمامها 60 شهرا لاستكمال تنفيذها. وكيف لا تستكمل، مع حضور الإرادة من أعلى المستويات، إضافة إلى الإمكانات والأدوات. ستقدم هذه الخطوة، مرة أخرى، دروسا لمن يريد حقا أن يتعلم، وستشكل منهجا جديدا على الساحة العربية على وجه الخصوص، تلك الساحة التي اعتادت على مدى عقود كلاما ينتهي مفعوله حتى قبل أن يكتمل إلقاؤه.