فيصل العساف 

من ضروب المستحيل أن تتفق دولتان أو مجموعة دول في شكل دائم، لكن، توجد دول تسمو على الاختلافات في مواجهة المصير الواحد. هذا ليس تنظيراً حول أهمية الحلف السعودي- الإماراتي، وإنما تبسيط لمن يصرّ على عدم فهم العلاقة المتينة بين البلدين الجارين، التي تجلّت باتفاق استراتيجي من الطراز الرفيع.


ما ظهر إلى العلن عند اجتماع الطرفين الشقيقين، ليس أكثر من توثيق لعمل ممتد، كان التنسيق والتفاهم أبرز العناصر على خريطة بنائه التراكمي المشترك، الذي حقق نبوءة الاستقرار في محيط هائج، وأسهم بفاعلية في مد جسور الثقة بينه وبين دول أخرى فقدت -في لحظة من اللحظات- ثقتها في الخليج وفي العرب، بعد أن مضى كلٌّ إلى غايته. فريق يضرم الحرائق، وفريق يحاول جاهداً إطفاء النار المستعرة، وبينهما فريق يحمل فوق ظهره إرثاً من خليط الاستسلام لنظرية المؤامرة وانتظار تحقق معادلة النصر المؤزر للحق على الباطل، وضع نفسه بين مطرقة الأحلام وسندان الواقع الذي لا يتوقف نهر الأوضاع المتردية عن الجريان فيه. هذا الفريق يمثل الشعوب العربية التي أطالت النظر إلى بريق الوعود الثورية المزيفة بكافة توجهاتها! شاهد الجميع بأم أعينهم كيف تتبخر المواثيق، وأن الفوضى لا تخلق سوى المزيد من الفوضى، والمزيد من غربان الشر التي تحلق فوق الاختصامات.

بالأمس القريب كان إعلام قطر يصب الزيت على النار في تعليقه على احتجاجات الأردنيين الشعبية، فيما الرجل الذي يمسك زمام إعلام دويلته من تلابيبه، رئيس الوزراء الأسبق حمد بن جاسم، يكتب على حسابه في «تويتر» محذراً من المصير الأسود الذي سيكون في انتظار كل الذين يصدقون تعاليم نافخ الكير القطري، مستشهداً بحال بعض الدول العربية، ثم أوصى «الأرادنة» خيراً ببلادهم ومليكهم. يقول هذا وهو يعلم أن الذي يكنه لهم سيصطدم بحاجز الأصالة والثقة المتبادلة بين الملك والشعب، وحاجز رأس رمح الكلمة العربية العليا ممثلاً في موقف السعودية والإمارات المساند للأردن، لكنه يفعل ذلك ولسان حاله يقول: قطر تخلق المشكلات؟ إذاً «أنا» موجود!

في تغريداته الأخيرة، كان الشيخ القطري متوتراً على غير العادة، إلى درجة أن سلسلة تغريداته حول مضي عام على المقاطعة أو ما يسميه حصاراً، انتهت بهذه الجملة: «الخوف أن نبدأ أزمة ولا نعرف كيف ننهيها». يهدد بعد أن توشح بثوب الشجاعة الواسع كي يؤدي رقصة البوق، التي كان «إخوة» له من المتربصين السعوديين بالسعودية يمارسونها، قبل أن تقطع سلطاتها الطريق عليهم، وتقطع معه «شعرة معاوية» التي أفسحت المجال كثيراً أمام انتهاكات الحكومة القطرية.

تغريدات ابن جاسم التي «خلطت الحابل بالنابل» تعكس حالاً من التشتت، ربما تكون أحد أعراض العزلة الديبلوماسية التي تفرضها قطر على نفسها قسراً جراء تعنتها بسبب الرهان المجنون على إمكان الخروج بنتائج مرضية من خلال ما يمكن تسميته بـ «المطمطة» السياسية، أملا -فقط- في تخطي الحقبة «الترامبية» بسلام! هذا التصور الساذج الذي يقامر على حساب قطر، جعل رجلها القوي يلطم- إن صح التعبير- على مصير مجلس التعاون الخليجي، ليس حزناً بطبيعة الحال، وإنما مدخلاً للنيل من «المجالس» التي أغلقت أمامه حفاظاً على أمن واستقرار بلدانها. ردّد ذلك ساعات قبل أن تأتيه الضربة القاضية من الرياض، متمثلة بـ «استراتيجية العزم» التي وقع عليها رجالات السعودية والإمارات. ضجيج قافلة النماء الذي حجب هرطقات ابن جاسم يؤكد نيتها المضي إلى حيث تريد هي، في أبعد مكان عن أماني أعدائها.