عبدالرحمن الطريري

من وقت هتلر إلى وقت حمد بن جاسم، ما الذي يجعل السياسي يتمادى في الكذب، وما الذي يمنحه الثقة أن هناك من سيصدق متسلسلة الكذب التي ينطق بها، إنه سحر التكرار كما قال جوزيف غوبلز مسؤول الدعاية السياسية «البروباغندا» في عصر هتلر، أو بلغة عصرنا الحاضر وزير الإعلام، وقاعدة غوبلر في ذلك «كرر الكذبة كثيراً بما يكفي وستصبح هي الحقيقة».

ولأن قضية فلسطين هي القضية المركزية للعرب والمسلمين، فقد كانت فرصة للمزايدة من أنظمة شمولية عربية، رأت أن الخطب حول فلسطين تغني شعوبهم عن الخبز والحرية، ومن أنظمة إقليمية غير عربية، رأت قي قضية فلسطين بوابة لمجد تليد، وحلم استعادة خلافة بائدة.

والحديث عن إيران وتركيا وطموحاتهما الإقليمية مهم أيضا لفهم السياسة القطرية، ولفهم الكذب المستمر من الأدوات الإعلامية حول قضية فلسطين، فمثلا قطر لديها علاقات متينة مع الكيان الإسرائيلي، ولديها مكتب تمثيل تجاري منذ أكثر من عقدين في الدوحة، وزار قناتها الإخبارية إسحاق رابين.

بينما هذه القناة تتناول باللوم النظام المصري والنظام الأردني أيضا، حول كل انتهاك إسرائيلي لحقوق الفلسطينيين، رغم أن الأردن ومصر دول مواجهة وخاضت حربا ولديها المبرر لتوقيع اتفاقية سلام، ولكن ما الدافع لشبة جزيرة لا يحدها برا إلا السعودية وبحرا الخليج العربي، أن تسعى لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، إلا ما قاله حمد بن جاسم يوما من أن التقارب مع إسرائيل يسمح لنا بالتعاون مع اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، للضغط على السعودية.

من جانب آخر، تهدف الجزيرة من خلال أحداث فلسطين، لتجسيد أردوغان كبطل منقذ، عبر تغطية واسعة لانسحابه من جلسة في دافوس في العام 2009 والتي كان يشاركه فيها الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، وطبعا لا يسأل أحد لماذا شارك الرئيس الإسرائيلي في ندوة من الأساس إذا كان ضد الممارسات الإسرائيلية، بينما لا يتذكر أحد مئات المشاركات الرياضية التي انسحبت منها السعودية ومصر وغيرهما بمجرد أن اللاعب المنافس إسرائيلي.

بل يتعدى الأمر إلى نسيان سبب انسحاب أردوغان من الجلسة، وهو أن المحاور منحه دقيقة للتعليق وهو ما اعتبره زمنا قصيرا، وغضبه من تصفيق الجمهور بعد كلمة الرئيس الإسرائيلي، لكن في كل المشهد لا يوجد موقف عاد بالمنفعة على القضية الفلسطينية أو حتى على الشعب الفلسطيني.

وفي العام 2010 حين سيرت تركيا سفينة مرمرة لكسر الحصار عن غزة، قتلت إسرائيل عشرة أتراك على متن السفينة بدم بارد، ولم تتحرك تركيا عسكريا وهي الجيش القوي وأحد أهم الجيوش في الناتو، واكتفت بتعويض يقدر بعشرين مليون دولار في 2016 عن جميع المقتولين، بل وصادق البرلمان التركي حينها على قانون ينص على: «الاتفاقية تعفي إسرائيل ومواطنيها من كافة أشكال المسؤولية حيال طلب أشخاص عاديين أو اعتباريين، باسم الجمهورية التركية، محاكمتها قانونيا في تركيا، بشكل مباشر أو غير مباشر، بخصوص حادثة سفينة ما في مرمرة».

وختاما كانت الخطب العصماء من لدن أردوغان حول قرار ترمب نقل السفارة إلى القدس، وسحب السفير التركي في أمريكا ثم إعادته بعد أسبوعين، والأكثر سخرية تصريح سحب السفير التركي في تل أبيب لبعض الوقت، وربما قصدوا أنه بعض الوقت الكافي لصناعة الوهم.

هذا السرد للتعاطي الإعلامي القطري والذي يمثل أيضا الأجندة الإيرانية والتركية وهي أجندة الإخوان المسلمين ضمنا، يدفعنا للمقاربة حول التناول الإعلامي القطري مع الاحتجاجات الأخيرة في الأردن، فمن ناحية يتم تناولها على أنها ذات مطالب سياسية، سعيا لتمكين الإخوان في الأردن، بما يشبه ما حاول الإخوان ممارسته في 2011، وما عادوا لممارسته في 2013 إبان حكم الإخوان المسلمين في مصر، حيث عرض إخوان الأردن الوساطة عند إخوان مصر، حين كانت تُقطع إمدادت الغاز المصري عن الأردن أسبوعيا.

ولأن الواضح لدى أغلب المتلقين أن الأزمة الأردنية هي بشكل رئيسي اقتصادية، فقد حاول الإعلام القطري أن يقول إن دولا عربية ضغطت على الأردن اقتصاديا للقبول بما يسمى صفقة القرن، لكن مجددا لا يسأل العقل العربي، ولماذا لم تنتفض قطر لدعم الأردن اقتصاديا وتوفر من الأموال التي تصرفها على تكاسي لندن وجدران نيويورك، وتحمي الأردن من الخضوع لصفقة القرن؟

بل لماذا حين اتفقت الكويت والإمارات والسعودية وقطر في 2011 وأقرت دعم الأردن بخمسة مليارات دولار، دعمت الدول الثلاث الأردن بالفعل وامتنعت قطر عن الدفع، وحولت المبلغ لتونس عوضاً عن الأردن!

بالأمس قمة يعقدها خادم الحرمين في قبلة المسلمين مكة المكرمة، ستقف من خلالها السعودية والإمارات والكويت مع الأردن، وسيبقى الإعلام القطري يروج الوهم.. ولكن كما قال مارك توين «يستطيع الكذب أن يدور حول الأرض في انتظار أن تلبس الحقيقة حذاءها».