محمد كمال

 قبل أن تعلن الإدارة الأمريكية عن تفاصيل ما يعرف بصفقة القرن فى الشرق الأوسط، بدأ الرئيس ترامب فى التفاوض بشأن “صفقة” أخرى فى منطقة شبة الجزيرة الكورية، وقد وصف الرئيس الأمريكى نفسه فى مؤتمر صحفى بعد انتهاء لقائه مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون بأنه «صانع صفقات» «و ذكر» حياتى كلها كانت صفقات، لقد فعلت ذلك بشكل عظيم، وهذا ما أفعله دائما، ولدى القدرة على معرفة عندما يريد شخص ما أن يعقد صفقة، وعندما لا يريد، والكثير من السياسيين ليس لديهم هذه القدرة

مفهوم «الصفقة» إذن هو مفهوم محورى فى إدارة ترامب لعلاقات الولايات المتحدة مع الخارج. ونقطة البداية لديه بشأن هذه الصفقات ترتبط بإحساسه الداخلى و ليس المعلومات المتوافرة أو نصائح المستشارين و الخبراء. الرئيس ترامب أصر على أن ينفرد بالرئيس الكورى الشمالى فى اجتماعهما الأخير لمدة كان مقررا لها ساعتان، وبدون حضور أى من مساعديه، و ذلك كى يقوم بتكوين انطباع شخصى أو إحساس داخلى بشأن ما إذا كان الرئيس كيم جونج أون يرغب فى إبرام “صفقة” أم لا ، وعقب هذا اللقاء المنفرد الذى استمر لنحو ساعة، وخرج منه ترامب بانطباع جيد، التقى الوفدان الرسميان بحضور الرئيسين. ترامب هنا يتبنى مفهوما جديد فى إدارة العلاقات الدولية و هو ما يمكن أن نسميه «دبلوماسية اللقاء الغرامى الأول»، و الذى يسعى فيه طرفان الى لقاء بشكل منفرد بهدف أن يرشدهما الإحساس و الانطباع الأول لمعرفة إذا كان هناك «كيمياء» بينهما أم لا، وبالتالى إمكانية استمرار العلاقة والبناء عليها.

فى هذه الصفقات يحرك ترامب دافع شخصى آخر، وهو رغبته فى أن يكون بؤرة الإهتمام، وحديث الرأى العام، أى أن جانبا من السعى لبدء الصفقات يتعلق بترامب الشخص الذى لديه هوس بأن يكون محور اهتمام، ويعود هذا الأمر الى مهنته السابقة ليس فى مجال العقارات، ولكن فى تقديم برنامج تليفزيونى للمسابقات الواقعية، وكان ترامب هو محور هذا البرنامج، وحظى بنسب مشاهدة مرتفعة، بسبب قدرة ترامب على توليد إهتمام لدى المواطن الأمريكى العادى لمتابعته ، وكان لهذه التجربة تأثير كبير على رؤيته للسياسة «كبرنامج تليفزيونى واقعي». رؤية ترامب لهذه الصفقات ترتبط أيضا بالشعار الذى رفعه فى حملته الانتخابية و مايزال يردده حتى الآن و هو «أمريكا أولا» ، فبالرغم من أن الصفقات المرتبطة بشبه الجزيرة الكورية أو منطقة الشرق الأوسط تتعلق بدول أخرى كثيرة مثل كوريا الجنوبية و اليابان مثلا فى حالة الصفقة الكورية، و العديد من الدول العربية فى حالة صفقة الشرق الأوسط، فإن اهتمام ترامب بالدخول فى هذه الصفقات لا يرتبط بشكل أساسى بتحقيق سلام أو تنمية على المستوى الإقليمي، ولكن تعظيم مصالح الولايات المتحدة من إبرام هذه الصفقة، و هنا لا يتردد ترامب فى التضحية بمصالح الحلفاء و الأصدقاء إذا وقفت فى طريق إبرام صفقة تزيد من أسهمه لدى المواطن الأمريكى وقاعدته الانتخابية التى يجذبها شعار «أمريكا أولا». على سبيل المثال هناك تخوف كبير لدى حلفاء الولايات المتحدة فى أسيا من أن تقتصر الصفقة الأمريكية مع كوريا على إزاحة التهديد الذى تمثله كوريا الشمالية للولايات المتحدة (الصواريخ طويلة المدي) و ليس لجيرانها الأسيويين.

الشرق الأوسط له أيضا تأثير غير مباشر على الصفقة الكورية، فكوريا تدخل المفاوضات وفى ذهنها ما يعرف بالنموذج الليبى عندما تخلص القذافى من أسلحة الدمار الشامل، و لم يؤد ذلك فى النهاية الى توافق فى علاقته مع الغرب بل تمت الإطاحة به، ولايريد الرئيس الكورى أن تتكرر التجربة معه إذا تخلى عن سلاحه التفاوضى الأساسي، أما ترامب فيضع عينه على ما يسمى بالنموذج الإيراني، واعتقاده أن أى إتفاق مع كوريا الشمالية بشأن برنامجها النووى يجب أن يكون أشد صرامة من الإتفاق الذى ألغاه مع إيران. باختصار الإتفاق مع كوريا و بعد ذلك فى منطقة الشرق الأوسط، مشوارهما طويل، وسوف يدرك ترامب إن عاجلا أو أجلا أن تبنى منطق الصفقات قد يساعد فى بدء المفاوضات و لكن لن يؤدى بالضروة لنهاية ناجحة لها.