نورالدين قربال

 لقد ساهم المغرب سابقا في بناء منظمة الوحدة الإفريقية إلى جانب مجموعة من الدول الشقيقة، ورغم مغادرته لهذه المنظمة العتيدة سنة 1984 نظرا لظروف سياسية مست وحدته الوطنية، ظلت علاقته مع إفريقيا مستمرة في الزمان والمكان؛ والمؤشر هو أن الاتفاقيات بين الطرفين تجاوزت 1000 اتفاقية وبروتوكول؛ ناهيك عن تناسل الاتفاقيات بعد عودة المملكة إلى الاتحاد الإفريقي بقيادة جلالة الملك، الذي كثف زيارته إلى الدول الإفريقية لأن الفلسفة التي يعتمدها تنطلق من قاعدة رابح رابح، المبنية على الوحدة والتضامن والتعاون والانسجام والاستقرار والتشارك في البناء الديمقراطي والمؤسساتي في بناء القرار الدولي.

إن الأمر ليس سهلا، لأسباب موضوعية وأخرى سياسية، لما تحدثه الدولة الوهمية من تشويش إفريقيا وأوربيا وعالميا؛ لكن المغرب مقتنع بأن الأمور ستتغير تاريخيا، لأن الزمن جزء من العلاج. وهناك أخطاء يجب أن تصحح كما أكد على ذلك جلالة الملك.

رغم كل المعيقات والتحديات والعراقيل فإن المغرب ماض في تعزيز حضوره بالقارة بطريقة تتصف بالتنوع من حيث الشأن الديني والسياسي والاقتصادي والثقافي والبيئي والحضاري..وأصبح لهذا الحضور صدى عالمي؛ لذلك اعتبر خبراء في القانون الدولي بالبرلمان الأوربي ببروكسيل -ماي 2018- أن احتجاز سفينة "تشيري بلوسوم" غير قانوني من قبل سلطات جنوب إفريقيا، والتي إعادت شحنتها لمالكها الشرعي -المكتب الشريف للفوسفاط-.

وقد تطور الحضور المغربي بإفريقيا بعد العودة إلى الاتحاد الإفريقي -يناير 2017- واستكمال عضويته بأجهزته نحو مجلس السلم والأمن لمدة سنتين -2018-2020- وبرلمان عموم إفريقيا -2018-2021- إضافة إلى التوقيع على اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة الإفريقية- التي ستشكل دفعة قوية للقارة بناء على الشراكة والتعاون.

ويعتبر الاهتمام بإفريقيا من أولويات جلالة الملك الذي خصها بأكثر من 50 زيارة منذ سنة 2000، والذي يثمن فيها دائما الموارد البشرية؛ لذلك اعتبر رائدا في التعامل مع موضوع الهجرة بمقاربة جديدة اعتمدت منذ 2013. ونظرا لهذه الثقة فقد خصصت "يونسيف" والاتحاد الإفريقي حوالي مليوني أورو تستهدف 2000 طفل مهاجر إلى المغرب، والذين تشكل نسبتهم 10 في المائة من مجموع المهاجرين بالمغرب. وسيمتد البرنامج ما بين 2018 و2020، ويهم دعم الانخراط في التعليم والصحة والرعاية الإنسانية والسكن والتسوية القانونية...

وتوج هذا باختيار المغرب لتنظيم لقاء خاص بالهجرة من قبل الأمم المتحدة، وذلك في الأسبوع الأخير من شهر دجنبر 2018. كما أن هناك مجهودا كبيرا لتغيير الصور النمطية المرتبطة بإفريقيا؛ من إفريقيا الحروب إلى إفريقيا البناء الديمقراطي والمؤسساتي، والحضور العالمي.

وللإشارة فالمغرب من المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية -ماي 1963- بأديس أبابا، والتي تحولت من بعد إلى الاتحاد الإفريقي.

إن الهدف الإستراتيجي من هذه العلاقة هو إحداث التكامل بين كل الأطراف، وعلى جميع المستويات، وتعبئة الشعوب لهذا الهدف السامي، وتثمين العنصر البشري، خاصة الشباب الذي تزخر به القارة.

ولا شك أن اللقاء التاريخي الذي جمع مؤخرا بين القائدين جلالة الملك محمد السادس ورئيس الجمهورية النيجيرية الفدرالية له دلالات مهمة تبرز نموذجا تطبيقيا للتعاون جنوب-جنوب، والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك؛ والذي لا محالة سيكون له الأثر في الملتقى المستقبلي للاتحاد الإفريقي بموريتانيا.