يوسف دياب

بلغت العلاقة بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، مرحلة غير مسبوقة من التوتر والسجال عالي النبرة، إثر الهجوم الذي شنّه الأخير على عون، واعتبر فيه أن «(العهد) فاشل من اللحظة الأولى». وتوحي المواقف الحادّة للطرفين التي تلت تغريدة جنبلاط النارية، بصعوبة ترميم التصدعات الكبيرة التي أصابت علاقتهما، وتطرح أسئلة عن مدى تأثيرها على مسار تشكيل الحكومة، بعد الإيجابيات التي طبعت الأيام الأخيرة من المشاورات.

ولم تهدأ عاصفة الردود العونية على الزعيم الدرزي، والردود المضادة لنواب وكوادر الحزب الاشتراكي، إذ اعتبر النائب آلان عون عضو تكتل «لبنان القوي»، أن هذا «الموقف المفاجئ، هو نتيجة طبيعية لتقلبات جنبلاط المعتادة وغير المفهومة، وهل هو مرتبط بمسألة تشكيل الحكومة أو بزيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية، وتسليف موقفه لطرف خارجي؟». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن موقف جنبلاط «يناقض ما قاله بعد لقاء رئيس الجمهورية خلال الاستشارات النيابية، ويشكّل انقلاباً واضحاً يعكس حقيقة ما يجول في باطنه وخلفيته»، معتبراً أنه «مهما احتدم الخلاف بين (الحزب الاشتراكي) و(التيار الوطني الحرّ) فهذا لا يبرر هذا الاعتداء على رئيس الجمهورية وهدم العلاقة».

وتمرّ علاقة عون - جنبلاط بتقلّبات دائمة، وهي ترجمت بتحفّظ الزعيم الدرزي على انتخاب عون رئيساً للجمهورية، نظراً لخلافهما الجذري حول الخيارات السياسية ومعالجة الملفات الداخلية، حيث أوضح مفوض الإعلام في الحزب الاشتراكي رامي الريس لـ«الشرق الأوسط»، أن موقف جنبلاط «ليس مفاجئاً للمراقبين، إذ سبق ووجه انتقادات لـ(العهد) وفريقه السياسي». ورأى أن «تجاوزات هذا الفريق باتت فاقعة جداً، بدءاً بملف الكهرباء إلى فضيحة ملف التجنيس، وصولاً إلى قضية النازحين السوريين». وحذّر الريس من «تجاوزات (العهد) الخطيرة لاتفاق الطائف، بدليل تصريحات نواب ووزراء (التيار الوطني الحر)، التي تقول إن الرئيس القوي بدّل بممارساته نصوص (الطائف)»، معتبراً أن «المساس بـ(الطائف) يؤسس لإشكالات كبيرة ستؤدي إلى الإخلال بالتوازنات». وأعطى المسؤول الاشتراكي أمثلة على هذه التجاوزات «مثل تدجين المؤسسات وتعيين الأزلام والمحاسيب في الدولة، وتحطيم كل شعارات الإصلاح والتغيير». وقال: «الغريب أن (العهد) لا يضع حداً لهذا الفساد ولا يضع حداً لمن يمارسه».

ويسود فريق رئيس الجمهورية اعتقاد أن جنبلاط يؤسس لاصطفافات جديدة، إذ «لا يجد مبرراً لفتح النار على رئيس البلاد»، ويشير النائب آلان عون إلى أن «تحفظات جنبلاط على تشكيل الحكومة أو ملف النازحين السوريين ليست دافعاً لهجوم، يطرح علامات استفهام حول تموضع سياسي جديد»، مذكراً بأن «هذا الأسلوب لن يفلح في الضغط على الرئيس عون ولن يؤدي إلى تغيير مواقفه»، لافتاً إلى أن «الهجوم الجارح وغير النقدي يظهر أن هناك من يريد كسر العلاقة ويجازف بهدم كل جسور التواصل مع رئيس الجمهورية».

ولا يجد النائب آلان عون نفسه في موقع السجال مع جنبلاط وفريقه، لأن «الاعتداء يأتي من طرف واحد، خصوصاً أن جنبلاط لا يدع مجالاً للحرص على الحدّ الأدنى من العلاقة»، وهو يرى أن الهجوم الجنبلاطي «أبعد من الخلاف على توزير النائب طلال أرسلان في الحكومة الجديدة، خصوصاً أن هذه المسألة مطروحة للنقاش، ولم يكن توزير أرسلان موجهاً ضدّه، بل يأتي في سياق الحرص على تمثيل الجميع في الحكومة».

وتثير المواقف المنتقدة لرئيس الجمهورية حساسية بالغة لدى «التيار الحرّ» الذي يرأسه وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، ويواجه أي انتقاد له بقوّة، بدليل التصريحات العنيفة لنواب ووزراء «التيار» التي صدرت ضدّ جنبلاط، وهنا يذكر مفوض الإعلام في «الحزب الاشتراكي» رامي الريس بأن «لبنان يحكمه نظام ديمقراطي، حتى إشعار آخر، وكل طرف له الحق بإبداء الرأي حيال سياسة (العهد)». ونبه إلى أن «الردود الانفعالية التي صدرت عن نواب ووزراء (التيار الحرّ)، خالية من أي رأي سياسي، بل حملت موجة من السباب والشتائم، وهذا يكرس ما نقوله عن (العهد)». وتابع: «نحن لا نريد معاداة (العهد)، وتعطيل دوره، بل نريد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ومحاربة الفساد، ولا نرغب أن يكون السجال مدخلاً لتعطيل (العهد) والحكومة».

من جهته، اعتبر وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية في حكومة تصريف الأعمال بيار رفول، أن وصف جنبلاط «عهد» الرئيس عون بالفشل، هو «دليل يأس من نجاح (العهد)». وقال في تصريح «عندما يقول جنبلاط إن (العهد) فاشل، فذلك مردّه أن (العهد) أوقف السطو على لبنان ومد اليد على حقوق الآخرين، وجنبلاط في موقفه هذا قطع الأمل، وبخاصة بعد عودته إلى حجمه في الانتخابات وفق القانون النسبي، الذي حرّر كل اللبنانيين». وطمأن رفول إلى أن مواقف جنبلاط «لن تؤدي إلى انقسام فنحن والدروز إخوة».