عبدالله بن بجاد العتيبي 

تضحيات طويلة وصراعٌ مريرٌ لشهورٍ طويلة مهّد الطريق إلى مدينة الحديدة اليمنية، الشريان الرئيس والميناء الأكبر لدعم ميليشيا الحوثي بالسلاح والصواريخ والخبراء، والتي تأتي جميعاً من إيران وأطرافها في المنطقة وعلى رأسها «حزب الله» اللبناني الإرهابي، والذي يتحول اليوم تحت ضغط الجيش اليمني والمقاومة اليمنية بإسنادٍ كاملٍ من قوّات التحالف السعودية والإماراتية.


الحديدة محطة في طريق صنعاء والحل السياسي الشامل في اليمن، وتطهير اليمن من عملاء إيران المؤدلجين الإرهابيين، وإعادة الشرعية إلى العاصمة السياسية، وإعادة اليمن إلى الاستقرار والأمان، وإنقاذ الشعب اليمني من مختطفي حياته ومدمري أمنه وسارقي موارده، فالآيديولوجيا لا تقف في وجه القوة، قوة التخطيط وقوة السياسة وقوة الجيوش، وقبل هذا وبعده قوة الحق، حق الشعب اليمني الأصيل في حكومته الشرعية ورفض الاختطاف.
لولا تضحيات الأبطال وعشرات الشهداء وآلاف الجنود لم نصل إلى هذه اللحظة التي تعد مفصلاً حقيقياً لعاصفة الحزم وإعادة الأمل في اليمن، لحظة تحرير الحديدة، وقطع إمدادات ميليشيا الحوثي، وضمان وصول المساعدات الإغاثية لمستحقيها من الشعب اليمني بدلاً من استخداماتها السابقة من الحوثيين في كسب الولاءات والضغط على المدن والقرى والقبائل التي تبدي أي شكلٍ من المعارضة للفساد العريض الذي قامت وتقوم به تلك الميليشيا.
خلال كتابة هذه السطور وميليشيا الحوثي تحت القصف الناري المستمر في مواقعها كافة في الحديدة، وبقوة عسكرية ضاربة، ونتيجة المعركة شبه محسومة، ليس على مستوى ضرب القوة العسكرية للميليشيات الحوثية فحسب بل على مستوى إدارة شاملة للمعركة، فالمبعوث الدولي في صنعاء لإقناع الحوثي بتسليم الحديدة، والتحالف يستمر في إعطاء التراخيص للسفن المتجهة إلى ميناء الحديدة وتضمن تدفق الواردات والمساعدات لميناء الحديدة، ومطار الحديدة أصبح برسم التحرير، والتعزيزات العسكرية تتواصل لإجبار ميليشيا الحوثي على الاستسلام التام أو الخروج المذلّ أو الموت تحت قوة نيران الجيش اليمني والتحالف.
ميليشيا الحوثي مستمرة في ارتكاب جرائمها ضد الشعب اليمني والمدنيين، فهي تجبرهم على عدم مغادرة مواقع المواجهات العسكرية وتتخذهم دروعاً بشرية، وتقاتل بدافع الآيديولوجيا وإلا فالخسارة مسألة وقتٍ والهزيمة أوضح من الشمس، وكمعركة في حربٍ فهي تسير بنفس الاتجاه وذات المصير، هزيمة الحوثي وانتصار الشعب والجيش اليمني والمقاومة اليمنية والتحالف العربي.
بالنظر إلى الصورة الكبرى، وعلى المستوى السياسي، والصراع الإقليمي والدولي، فإن أحداً لا يعرف على وجه التحديد أي مصيرٍ سياسي ستخرج به أو منه دول المنطقة وصراعها الطويل المقسم بين الطموحات الإقليمية للتوسع، كما هي سياسة إيران وكما هي سياسة تركيا المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم من الأصوليين والإرهابيين من جهة، وبين سياسة دعم الاستقرار التي تقودها المملكة العربية السعودية وحلفاؤها وعلى رأسهم الإمارات العربية المتحدة، ولكن الرؤية العامة توضح أن انتصار دول دعم الاستقرار هي الأقوى والأظهر.
الإجابة الدولية لمصائر العالم والمنطقة تبتدئ من الولايات المتحدة وتنتهي إليها، واستراتيجية الرئيس دونالد ترمب تجاه الملف الإيراني وعلى الرغم من شبه الممانعة الأوروبية تحرز تقدماً ملحوظاً، وتصفير المشكلات الأقل أهمية وإن لم تكن أصغر حجماً مع كوريا الشمالية تمنح قدرة على استشراف المستقبل، هذا على مستوى الصراع الإقليمي والدولي.
وكمثالٍ على هذا التطور باتجاه انتصار دول دعم الاستقرار فإن المثال الأوضح في هذا السياق يتمثل في الأزمة اليمنية، وكل الجهود السياسية والقانونية والدبلوماسية والعسكرية والخيرية التي بذلها التحالف العربي هناك، والتي حققت انتصاراتٍ مذهلة في السنوات القليلة الماضية، والتي تمكنت عبر عاصفة الحزم وإعادة الأمل من إعادة كاملة لترتيب المشهد اليمني من جديدٍ، واستعادة أكثر من ثمانين في المائة من الأرض اليمنية، ومحاصرة ميليشيا الحوثي على الجبهات كافة.
يتجه اليمن اليوم إلى حلولٍ عسكرية وسياسية تعيد التوازن الحقيقي لما يقع على الأرض، وعلى الرغم من تشتت المؤسسات الدولية، وهو تشتت عطّل عملية إنقاذ اليمن لفتراتٍ طويلة تحت مبرراتٍ واهية، على الرغم من ذلك فإن الإنجازات والانتصارات على الأرض تحسم الموقف، وتنهي المآسي وتُلغي الانحيازات، وميليشيا الحوثي تنسحب قطاعاتٌ واسعة منها في شكل يوحي بالبحث عن النجاة لا انسحابٍ عسكري تكتيكي من أي شكلٍ أو نوعٍ.
معركة الحديدة هي خطوة مهمة باتجاه تحرير اليمن وهزيمة الميليشيات الحوثية الإرهابية واستعادة الشرعية والاستقرار للدولة اليمنية والشعب اليمني، وإخراج اليمن من الصراع الإقليمي الشرس، وهو ما يصبّ في النهاية في محاصرة المشروع الإيراني التوسعي ويعيد إيران مرغمة إلى الاهتمام بالشأن الداخلي الإيراني، واليمن مجرد مثالٍ، ويجري في غيره من البلدان العربية ما يجري فيه.
بشائر النصر تتوالى من الميدان في الحديدة، ومن أهم ما يجري فيها بالإضافة إلى كل ما سبق هي التغطية الإعلامية الكبيرة التي تحظى بها المعركة هناك، وهذه التغطية بالغة الأهمية للأدوار العملية التي تؤديها، وذلك بنقل صورة حية لكل دول العالم عمّا يجري على الأرض وتوفير المعلومة المصورة للجميع مع قطع الطريق على أي محاولاتٍ لتشويه ما يجري أو منحه أبعاداً سياسية أو إنسانية أو تهويله أو تضخيمه بشكل سلبيٍ، وفي أحيانٍ كثيرة فإن معركة الإعلام نصف الحرب، وبخاصة مع كثرة المتربصين المدعومين بأسبابٍ متعددة عربياً وإقليمياً ودولياً.


قناة «الجزيرة» على سبيل المثال، القناة القطرية المعروفة بتوجهاتها المعادية للدول العربية وشعوبها، والداعمة لاستقرار الفوضى والإرهاب، والمنخرطة في المشروعين المعاديين للعرب في المنطقة، إيران وتركيا، لم تترك طريقة ولا سبيلاً لتشويه ما يجري من تحريرٍ للحديدة وتطهيرٍ لليمن من رجس ميليشيا الحوثي إلا سلكته، ولم يتبقَّ لها إلا وضع شارة السواد وإعلان العزاء على الشاشة.
أخيراً، فما يجري في الحديدة هي نتيجة طبيعية لسياساتٍ معلنة للسعودية وحلفائها وعلى رأسهم الإمارات تجاه اليمن وتجاه الصراع الإقليمي، فالمسألة مسألة وقتٍ، والوقت من صالحنا في اليمن، وإيران إن لم تتخلَّ عن مشروعها التوسعي الإقليمي فسيتم إجبارها على العودة للاهتمام بمواطنيها، كما هي تصريحات ولي العهد السعودي، وبالتالي فما جرى ويجري وسيجري من انتصاراتٍ هي حصيلة الرؤى والاستراتيجيات الصائبة والعمل المتواصل على تحقيقها على المستويات كافة.