طيب تيزيني

 يعيش العالم العربي مرحلة مريرة من الانهيار الاستراتيجي، مرحلة تطرح السؤال: لماذا أخفقت أفكار العروبة في إيجاد صيغة لتوحيد شعوب العالم العربي؟

وإذا عدنا إلى القرن التاسع عشر وجدنا أفكاراً تدعو إلى «لم الشمل العربي» أمام المشاريع الاستعمارية التي امتلكت القوة والاستراتيجيات التي مكنتها من غزو البلاد العربية. وإذا تابعنا المسار وصولا إلى مرحلتنا الحالية، وجدنا حالة ليس من التقهقر فحسب، وإنما من الانهيار وفتح أبواب بلاد عربية على مصاريعها أمام الغزو الخارجي. فالحروب الأهلية الداخلية بالتوازي مع التدخلات الخارجية، من روسيا وإيران وإسرائيل وتركيا، حولت تلك البلدان إلى ركام من الخراب، إلى جانب الموت الذي راح يمعن في تقليل فرص السلام المدني، ممعناً في قتل الأطفال والنساء والرجال، وفي تدمير المدن والمشافي والأسواق ودور السكن.

إنها حالة من التفكيك والتدمير أصبحت معها إعادة البناء والترميم تحتاج مليارات الدولارات التي تعجز أصلا عن توفيرها البلدان المدمرة. وأمام هذا المشهد الدموي، يبرز السؤال مجدداً: لماذا نحن في هذا الحال الذي يمثل تحولاً باتجاه الهاوية، هذا التحول الذي يمارسه «الآخرون» في قلب العالم العربي، مباشرة أو بالوكالة؟

وأياً تكن الإجابة فثمة أمر يلفت النظر في هذا المشهد، ألا وهو أن عهد الاستعمار التقليدي عاد بأفظع مشاهده، وقد جاءت مسألة التهجير لتكمل مأساوية المشهد.

وهنا أيضاً يبرز السؤال: أي الأسئلة المطروحة في العالم العربي حالياً هو الأكثر إلحاحاً؟! إنه سؤال الكرامة ممزوجاً بألم هائل، حيث تتتالى الأسئلة والآهات، إضافة إلى الشعور بالمهانة والاستفزاز. فهل كُتب على العالم العربي أن يكون مستباحاً من قبل تجار الحروب طوال ثلاثة قرون؟! وهل كتب عليه أن يعيش ذلك وإلى الأبد، أم أنه قادر على التحرر والخروج منه، كما فعلت شعوب كثيرة في العالم؟ إن التحرر هدف عظيم، لكن كيف يمكن إنجاز الوسائل لبلوغه. في اعتقادي أن الوسيلة الأولى هي «الديمقراطية» باعتبارها الأداة الضرورية لاستكمال السيادة، وليس عبر تدخل دولي يتم باسم شعارات زائفة طالما استخدمت عنوان «المساعدات الدولية».

الأمر يبدو لي وكأننا الآن نعيش في القرن التاسع عشر؛ فقد مرّ العالم العربي بما لا يحصى من النكبات والفظائع، مرة من موقع «محبي» هذا الوطن، انطلاقاً من أخطاء تاريخية مكلفة، ومرة أخرى من موقع أعداء الوطن. وفي سياق ذلك وغيره، كانت تتكاثر الأعباء والأخطاء والأخطار، من نمط ما انفجر في عام 2011 إلى مرحلتنا المعيشة هذه.

لقد دلّلت السنوات الماضية على أن ثنائية التوحيد الوطني والتوحيد القومي تمر بالضرورة عبر «الديمقراطية» وما تستوجبه من مبادئ وممارسات.

وثمة مسألة مفصلية تتمثل في حقيقة كون «العروبة نشأت قبل ظهور الإسلام» (ساطع الحصري، تأليف وليام ود. كليفلاند - تعريب فكتور سحاب، ص: 20، دار الوحدة -بيروت 1983). وكما يقول الحصري فإن «الإسلام لم ينقض العروبة، بل أغناها وأمدها بنتاجات حضارية جعلتها صفة وسمة خاصة بين الأمم، وأمكنها من أن ترث مهمة مقارعة الغرب» (المصدر نفسه، ص: 20).

ارتباط العروبة بالإسلام هو القضية التي ينبغي التشديد عليها لدواع تربوية وثقافية. والعودة إلى بداية المقال تدعونا إلى تعميق الفكرة القائمة على تآخي المسلمين العرب مع النصارى العرب، وسيكون ذلك متمماً للمقدمة، بل مدماك آخر في البحث عن «العالم العربي والواجبات المؤجلة لمستقبله وللدعوة، من جديد، إلى حوار ثقافي معمق مع كل المكونات البشرية الراهنة برؤية حوارية متفتحة».