خورشيد دلي

إذا صحت التوقعات بعدم فوز أي من المرشحين للانتخابات الرئاسية التركية من الجولة الأولى، فإن الصوت الكردي قد يصبح حاسماً في تحديد هوية من سيفوز برئاسة تركيا في المرحلة المقبلة، بل وتحديد الغالبية التي ستحكم البرلمان التركي، فمع اتضاح خريطة التحالفات الحزبية التي ستخوض معركة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية يوم الأحد المقبل، تتجه الأنظار إلى الشريحة التي سيكون لها الدور المؤثر في تحديد نتيجة هذه الانتخابات، ولعل اللافت في خريطة هذه التحالفات بقاء الأكراد خارجها، إذ إن تحالف الشعب الذي تشكل من أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والوحدة الكبرى رشح الرئيس رجب طيب أردوغان، يقابله تحالف الأمة المؤلف من أربعة أحزاب، وهي الشعب الجمهوري والسعادة والخير والديموقراطي، وقد رشح كل حزب من هذه الأحزاب مرشحاً خاصاً به، فيما بقي الأكراد خارج هذين التحالفين، ورشح حزب الشعوب الديموقراطية الموالي للأكراد زعيمه السابق صلاح الدين ديمرتاش المعتقل منذ نحو سنتين، حيث سبق أن رشح ديمرتاش نفسه للانتخابات الرئاسية السابقة، ونال قرابة عشرة في المئة من الأصوات.

في الواقع، إذا كان من الثابت صعوبة تصور وجود فرصة لفوز ديمرتاش في ظل وجود هذين التحالفين الكبيرين، فإن الأنظار تتجه إلى الصوت الكردي الذي يقدر كتلته الانتخابية بنحو 18 في المئة من الأصوات أي نحو ثمانية ملايين ناخب، حيث يتركز معظم الأكراد في جنوب البلاد وشرقها، فضلاً عن المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير، ولعل أهمية هذا الصوت قد يؤدي هذه المرة إلى فقدان حزب العدالة والتنمية الغالبية البرلمانية إذا نجح حزب الشعوب الديموقراطي في تجاوز العتبة الانتخابية المحددة بعشرة في المئة، وإلا فإن أصوات الناخبين الأكراد ستذهب تلقائياً إلى حزب العدالة والتنمية بحسب القانون الانتخابي التركي، ولعل هذا ما يفسر التصريحات التي تسربت عن أردوغان، والتي أكد فيها ضرورة منع حزب الشعوب من تحقيق العتبة الانتخابية.

منذ تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم في عام 2002، اعتاد الأكراد على التصويت إما لمصلحة الهوية القومية الكردية أو للهوية الإسلامية المتمثلة بحزب العدالة والتنمية، إذ من أصل 18 في المئة من الكتلة الانتخابية، يصوت نحو 10 في المئة لحزب الشعوب الديموقراطي، ونحو 6 في المئة لحزب العدالة والتنمية، فيما تذهب نسبة اثنين المتبقية لبقية الأحزاب، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ما هي اتجاهات التصويت لدى الأكراد في ظل المتغيرات الجارية؟ وكيف أثرت أحداث عفرين والاستفتاء في إقليم كردستان على هذه الاتجاهات؟ 

بداية لا بد من القول إن اتجاهات التصويت لدى الأكراد تبدو في مشكلة اتجاه التحالفين، فالأكراد ينظرون إلى حزب الخير بزعامة ميرال أكشينار على أنه حزب قومي متطرف شأنه شأن حزب الحركة القومية بزعامة دولت باهجلي، فضلاً عن أن الأكراد يتذكرون بأسف شديد ما تعرضوا له خلال فترة تسلم أكشينار منصب وزارة الداخلية منتصف تسعينات القرن الماضي، كما أنهم يحملون حزب الشعب الجمهوري مسؤولية سجن عدد كبير من نوابه بسبب تأييده لقانون رفع الحصانة عن النواب في البرلمان، ومع المتغيرات الجارية، فإن موقفهم قد لا يختلف كثيراً إزاء حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان، فشريحة كبيرة من أكراد تركيا تفاجأت بالموقف السلبي لأردوغان من الاستفتاء الذي جرى في إقليم كردستان بعد أن كانت تتوقــع أن علاقة تركـــيا بالإقلـــيم وزعـــيمه السابق مسعود البارزاني كفيلة بموقف تركي مغاير، كما أن عملية احتلال عفرين أثرت في موقف شريحة كبيرة، وكذلك فإن توقف عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني واستمرار المواجهات معه، جعلت من الوعود الحكومية الكثيرة بإيجاد حل سلمي للقضية الكردية محل شك كبير لدى الأوساط الكردية بما فيها تلك التي كانت تقف مع أردوغان ضد حزب العمال الكردستاني، ولعل هذه المتغيرات مجتمعة ستجعل من التصويت الكردي على أساس الهوية القومية أكثر من أي عامل آخر في الانتخابات.

في الواقع، بغض النظر عن تأثير هذه المتغيرات في اتجاهات التصويت الكردي، وموقف الأكراد من التحالفات الانتخابية، فإنه مسألة الحصول على صوت الناخب الكردي يبقى حيوياً، لا سيما في الانتخابات الرئاسية، ويبدو أن المرشحين أدركوا أهمية التقرب من هذا الصوت، وعليه بدأت أوساط الرئيس أردوغان تتحدث عن نيته بخطة شاملة لحل القضية الكردية بعد الانتخابات ورفع قانون الطوارئ المعمول به منذ الانقلاب العسكري الفاشل قبل عامين، فيما تعهد مرشح حزب الشعب الجمهوري محرم إينجه والذي يزداد سطوع نجمه هذه الأيام بتعيين نائب كردي له في حال الفوز بالرئاسة، وسبق أن قام بزيارة صلاح الدين ديمرتاش في السجن، بل وصل الأمر إلى حد الحديث عن توجيه من حزب الشعب الجمهوري بالتصويت لمصلحة حزب الشعوب كي يتجاوز العتبة الانتخابية لمنع ذهاب أصوات الأكراد إلى حزب العدالة والتنمية، ولعل هذه المؤشرات توحي بأن الأكراد سيصوتون لمصلحة إينجه في حال لم تحسم الانتخابات من الجولة الأولى، بعد انضمام حزب الشعوب إلى التحالف الرباعي، لطالما أن الهدف الأول للمعارضة هو إسقاط حكم أردوغان من بوابة الانتخابات.

* كاتب سوري.