مصطفى زين

تلخص المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة علاقة واشنطن مع المنظمة الدولية. نيكي هيلي لا تقيم وزناً لأي دولة عضو عدا إسرائيل. المهم لديها «النوعية لا الكمية»، على ما قالت في خطاب أمام اللوبي اليهودي «إيباك»، متفاخرة بأنها كانت الوحيدة التي وقفت إلى جانب زميلها الإسرائيلي، معترضة على قرار لا يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل، ومتهمة كل الدول (191) بجهل التاريخ. تاريخ لا يعرف منه رئيسها سوى بعض من التوراة يتلقنه على أيدي الحلقة الضيقة التي شكلت في البيت الأبيض للتعمق في الأساطير، أو ما يسمعه من صهره جاريد كوشنر.


وعلم التاريخ ليس حكراً على حلقة دراسة التوراة في البيت الأبيض فهيلي أيضاً عالمة. في تبريرها الانسحاب من «اليونيسكو» قالت إن هذه المنظمة الدولية تحاول تغيير التاريخ وتزويره لأنها اتخذت قرارات، عام 2016، اعتبرت البلدة القديمة في القدس وأسوارها معرضة للخطر لأن إسرائيل مستمرة في عمليات الحفر فيها، فضلاً عن إهمالها. كما تبنت المنظمة قراراً ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق، واعتبرتهما تراثاً إسلامياً خالصاً، إضافة إلى تأكيد المجلس التنفيذي عام 2017 قرارات سابقة تعتبر إسرائيل دولة احتلال، وترفض سيادتها عليها.

وكانت تصريحات هيلي، وهي ابنة مهاجر هندي، عن الكمية والنوعية، ورقة اعتمادها لدى «إيباك» في السنة الأولى لتسلمها منصبها. في هذه الورقة (الخطاب) أعلنت بوضوح أنها تنتهج ديبلوماسية القوة. واستشهدت بما قالته في مجلس الأمن عندما طرحت مسألة أوكرانيا، مهددة الكل بأنها ستسجل أسماء الدول التي تعترض على قرار تقدمت به إلى المجلس وترسلها إلى الرئيس كي يتخذ الإجراء المناسب ضدها. والمهم لديها «الالتزام بالمبادئ» وعدم تكرار طرح المسألة الفلسطينية في الجمعية العامة كل سنة، ففي الجمعية «كمية» من الغوغاء لا علم لها بأهمية الدولة العبرية وتاريخها، وفي الشرق الأوسط «الكثير من القضايا التي يجب طرحها بعيداً عن إسرائيل».

وفي تبريرها انسحاب واشنطن من مجلس حقوق الإنسان، قبل أسبوع، قالت هيلي إن المجلس»منحاز ضد إسرائيل، وهو منظمة منافقة أنانية تستهزئ بالحقوق». وتزامنت تصريحاتها عن هذه الحقوق مع احتجاز السلطات الأميركية أكثر من ألفي طفل في أففاض حديد، بعد فصلهم عن أهلهم، لأنهم دخلوا البلاد بطرق غير شرعية. ولم يوقف الرئيس ترامب هذا الانتهاك لأبسط الحقوق إلا عندما تدخلت ابنته، معلنة معارضتها فصل الأطفال.

والرئيس الذي اشتهر بسياسة الابتزاز كان يسعى من خلال احتجاز الأطفال إلى إجبار الكونغرس على اتخاذ قرار بتمويل جزء من تكلفة جدار الفصل الذي يبنيه على الحدود مع المكسيك، أو إجبار هذه الدولة على تمويله بالكامل، تنفيذاً لوعده الذي قطعه على نفسه فور وصوله إلى البيت الأبيض. تماماً مثل ابتزازه الدول التي «لا تدفع ثمن حمايتها» ولا تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وكل السياسات الأميركية المعادية للشعوب بالانهيار خلال أسبوع. والأمم المتحدة ومنظماتها عرضة للتدمير إذا لم توافق على كل ما تطرحه واشنطن وإسرائيل.

هل قلت حقوق إنسان وسيادة دول؟ لا حقوق لأحد غير الدولة العبرية «المختارة». هي «النوع» والآخرون «كم». هذا ما اكتشفته هيلي. اكتشاف لم يسبقها إليه سوى النازيين والفاشيين والصهاينة.