خالد أحمد الطراح

الأغاني والشعر والأدب ككل لا يمكن فصلها عن الظروف السياسية العامة، فهي نوافذ ومتنفس لكل إنسان حسب إبداعه واهتمامه، فمثلما هناك أغان وكلمات وجدانية، هناك أيضا أغان وكلمات تعبر عن واقع سياسي عربي يئن من الصراعات والتجاذبات والتحالفات، والإرهاب أيضا.


الفنان لطفي بوشناق، له مساهمات سياسية المغزى والأهداف كأغنيته للشاعر التونسي مازن شريف، بعنوان «أنا مواطن»:
أنا مواطن وحاير انتظر منكم جواب.. منزلي في كل شارع، في كل ركن وكل باب..
واكتفي بصبري وصمتي.. وفروتي حفنة تراب!
وجاءت الخاتمة بمناشدة إنسانية عربية حين ركز على التخلي عن المناصب والمراكز مقابل مصلحة الوطن:
«تحت السيطرة» أغنية أخرى تقاسم أنغامها الفنانان بوشناق، ومريش، وهي امتداد لأغنية «أنا مواطن»، وهي عبارة عن حوار يترجم واقعا سياسيا معقدا:

يـــــَا أَبِـــــــــــي حُـــــــــــزْنٌ بـِـــــــبـــــَوحِ الــــــــحُــــــنْــجُــــــــرَةْ وَجَـــــــعٌ بـِهَذَا الــــــــصَّدْرِ يُـــــــــغـْمِدُ خــــِنْجَرَهْ
هِـــيَ حـــــَـيــــــْرَةٌ مِـــــثـــْـلَ الـــْـــــــــــهَـــــزِيـــمَـــةِ مُـــــــــــــرّةٌ مــــــــَـا لِلْعُرُوبَـةِ كَـــــالــــــــــحُطـَـــــــــامِ مُـــــبَــــعـْثَــرَةْ
أَنَّــــى نَـــــظَـــــــرْتُ رَأَيــــــْتُ مَــــــوتًــــا صَــــــــــــــــارِخًا لــــَكَــــــأنَّـــــمَا وَطـــــَـنُ الْــــــــــعُــــرُوبــَـةِ مَــــــقــــْـــــبـَـــرَةْ
في القُدْسِ مَا في الــــقُـدْسِ أو في غزّةٍ قَد عـــــــــــــَاثَ صُــهْيُـونٌ وأَرْسَلَ عَسْكَرَهْ
بــــَغْــــدَادُ أو فــــي الــــشّـــــامِ جُـــــــــرحٌ واحدٌ مَــــــــنْ فَــــخَّــخَ الـــوَطَـــنَ الْجَميلَ وفجّرهْ
والشعبُ بين الـــرُّعْــــــبِ أضحى دَمْعَةً مُـــــــــذْ أَظْـهَـــــر الإرْهــــــــابُ فـــــيــــنَا مَــظْــهــــــرهْ
والــــــــــــــــــدِّيـــــــــــــــــنُ دِيـــــــــــــــــــــــــــــنُ الـــلـــّـهِ إلا أنَّـــــــــــــهُ لَـمْ يَــــرْضَ شـــــــيــــــخُ الإِفْـــــــكِ حتـّى زوّرهْ
والــــــكَـــــاذِبــُونَ الـــــــعَـــــابـــِثـــــــُون أوغــــــــَـــــرُوا صَـــــــدْرَ الــــْـــغَــــبِي بالــــشَّـــــعْبِ حتىّ كفّرهْ
إعلامُ بـــــعضِ الْــــــــــعــُرْبِ أضـْــــحى فِتنة أصـوات بعض العـُرْب أمست ثَرْثَرةْ
وتــــَرى الّـذي قد بـــاعَ غَــدْرًا ضَـــــــاحِكًا ويَـــــــــــــــــــراهُ أمْــــــــــــــــــــرًا داعِـــــــــيــــــــــــًا للـمـَـــفْـــخَـــرَةْ
هَـــــــــلْ ثَــــــــورَةُ الأَحــــــــرَار (دمّر مــــَوْطِــــــــنًـــــا) شَتّــــَـــــــــــــانَ مـــــــــــــَـــــن يَـــــبْــنِــــيـــــه أو من دمّرهْ
فــــــي كُــلِّ شِـــــبـــــــــر مـــــِن ثَـــــــــــرانــــــا لَــــــوعَـــــــــةٌ فــــــي كُــلِّ رُكــــــْـنٍ مِــــــن مَــــدانَــــــــــــــا مجزرةْ
فِـــــي مَـــــطـــــمَـــــعٍ للغَــــــرْب صِـــــــرنـــــــــَــا لُقمةً فِــــي نــــظرة للـغرب صـــــرنــــــــــــا مَسْخَرةْ
قُــل يـــــــا أبــــي هَـــلْ ضــــَاع حَــقـــــًّا حُلُمنا مَـــــــا عَــــــــــــادَ فــــِيــــنَـــا خَـــــــــــــــالِـــــــدٌ أو عَـــــنـْــــــتَرةْ
وهَــــــل الْـــــــعُــــروبـةُ لم تَــــــــعُــــــــــد إلا أســــًى فـــــِي قلبِ مَـــــن عشق الثَّرى ما أكبرهْ
❉ ❉ ❉
يـــــــَا وَلَـــــدِي هـــَــذَا الـمــدى مـــــــا أضيـــقهْ أنّـــــــــى نَــــظَــــــرْتَ رأيـــــــتَ نَــــــــــــــارَ الـمـِـحــــرقةْ
مـــــــاذا يَقـُول الْــحــرْفُ في خــــطّ المدى وَطَـــــنٌ تَـــــدَلّى مِــــــن حِـــــبـــــــالِ الـــمـِشــنَــقة
إن مَـــــــــــرَّ عُــــــصْـــــفُـــــور يُـــــــغَــــنّي مُــــــغْـــــــــــرمًــــا كَـــسَـــــرُوا جَـــنَـــــــاحَيــــهِ أمَــــاتُوا الـــزَّقْزَقَةْ
هـــلْ نَــحــــن شَــــعْـــبٌ واحِـــدٌ مــَهْــمــــا بدا فــــيــــــنَـــــا اخـــتِلافٌ فـــي الأمـُورِ المُسبَقَةْ
قــــــد فــَــكَّـكُـونا كالـــطّـــــوائــــــــفِ وانـــــبــــــرى كُـــــلٌّ يَـــــــــــشُـــــــــــدُّ الــــــــكُــــــلَّ حــــــــتّى يـــــــَخْــــنُقَهْ
فَــــانـــــظُــــر شَـــتَــــاتـًا فــي شَتاتٍ كيف لا إذ كُـلُّ شَــيءٍ صــــــارَ تحت الـــــمــــِطْـرقةْ
أمْـــجَـــــادُنــــَا فــي الـــــدَّهْـــــــرِ صــــارت نُكتَةً مِــــــنْ خَــــجَــــلٍ للأرض تـــَـــرنُـــو مُــطـــرِقةْ
آهٍ بُــــــــــــنَيَّ الــــــــيَــــــــومَ كــــَـــــم مِــــــــــــن طَــــــعْــــنـــَةٍ فـِـي الصّــــدر تأتي من أخٍ مــَــــا أحْمَقَهْ
لَكِنَّــــنـــــــا واللّيـــــــــــلُ يَـــــــــــــــــجْـــــــــري خَـــــــــلْــفَــــنــــــا والــــْفَـــــجْـــرُ حَـــثّ الــــخَطْوَ حَتّى يسبِقَهْ
مـــــــــــازَالَ فِـــيــــــنَــــا مَــــوطِـــــــــنٌ كـــــي نــَحـتـمي بـــالـــحُبِّ إنّ الـــــحُـــــبّ مثـــل الــــزَّنـــبـــقَةْ
وغدًا تـــرَى الأوطـــــانُ ضوءً ســـــــاطــــِعًـا وبرَغْـــم حِــــقدِ اللّيـــل شَـمسًا مُشرِقةْ
إن أغْــلَـــقُـــوا دربــــــــــــــــــــا فــــأيــــــــقِـــــــن أنّــــــــــــنـــــــا كَـــــم قَـــــد عَــبَـــرْنـــــــا مِــــن دُروب مُــغْــلَقةْ
يـا والِــــدي أيــــقــــنـــتُ، مـــنــــك الـمـــَعْذرة إني سأسقي الْـــــحُــلْم دمْــــــعَ الــــــمِحبَرَةْ
جُــــــــــرْحــــي عَـــــمِيـــقٌ غـــيرَ أنّــــــي مُــــــؤمِــــــــــــــــنٌ وغــــــــدًا يكونُ الجُرحُ تحتَ السّيْطرَةْ

❉ ❉ ❉
القصيدتان تعكسان وضعا سياسيا مأساويا عبر عنه الفنانان التونسي بوشناق، والسوري مريش، بإيقاع وصوت جسّدا الألم بالصوت والنغم!
أصوات الاحتجاج والتعبير عن الآلام ليس من الضروري أن تكون على شكل بيانات ومسيرات، فمن أشكال وأساليب التعبير أيضا الأغنية والفنون والآداب، أي الثقافة ككل، وهو ما يؤكد هذا الدور المهم في مواجهة القمع وتعزيز المقاومة في نفوس الشعوب وضرورة الاهتمام في الثقافة بشكل عام كأداة للتعبير عن المجتمع وتوثيق مراحل التاريخ.