سعيد السريحي

السماح للمرأة بقيادة السيارة ليس حدثاً في حد ذاته، وقد نكون آخر دولة تعتبر قيادة السيارة أمراً قاصراً على الرجال، ليس حدثاً ذلك السماح وإنما هو علامة إذا تم ضمها إلى علامات أخرى، كالسماح بافتتاح دور السينما وإقامة الحفلات الغنائية، تأكد لنا أنه ليس من المبالغة اعتبار ما يحدث في المملكة من إصلاحات متسارعة، ضرباً من القطيعة مع نمط من التفكير، بل ضرباً من القطيعة مع الأيديولوجيا التي أسس لها تيار ما عرف بالصحوة وظلت ما يزيد على 3 عقود من الزمن تستحكم في مختلف مجالات الحياة على نحو أعاق كثيراً من الخطط التنموية وحد من قدرتها على إحداث نقلة نوعية تمكن المملكة من ردم الفجوة الحضارية والثقافية التي لا تفصل بينها وبين دول العالم المتقدم فحسب وإنما بينها وبين حواضر عربية حققت خطوات حضارية وثقافية متقدمة بينما هي لا تمتلك ما تمتلكه المملكة من إمكانات.

وإذا كان ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان قد أكد خلال افتتاح مشروع مدينة نيوم على أن السعودية سوف تعود إلى ما كانت عليه قبل سنة 1979، وأنها لن تضيع 30 سنة أخرى من التنمية مهدداً بتدمير كل من يحاول التصدي لهذا التوجه، فإن ما شهدته وتشهده المملكة يجيء تأكيداً وتنفيذاً لما وعد به سموه، وإعلاناً لموت حقبة مرت علينا كانت فيها سطوة دعاة الصحوة مستحكمة في كثير من القرارات، وكانت آراؤهم المتشددة قادرة على تعطيل أو عرقلة كثير من الإصلاحات والقرارات بما كانوا يدعونه من الدفاع عن القيم الإسلامية، وما كانوا يبثونه من ادعاء أن مجتمعنا مجتمع محافظ لا يتقبل مثل تلك القرارات والإصلاحات.

قيادة المرأة للسيارة، ابتداء من اليوم، علامة على أن المملكة باتت على عتبة جديدة في تطورها الثقافي والحضاري وستشهد خلال الأيام القادمة علامات أخرى على أن ما كانت توهمنا به الصحوة قد بات في ذمة التاريخ.