فيصل العساف

ليس غريباً أن تتحول ساحات المنافسة الشريفة إلى مساحة واسعة لتصفية الحسابات، الجديد أن يتم استغلالها على هذا النحو المعيب الذي قدمه الناقل القطري «الحصري» لمجريات كأس العالم المقام حالياً في روسيا، عندما أظهر مقدمي البرامج والمعلقين على الأحداث الرياضية العاملين لديه وهم يتبارزون أمام السيد، أيهم يتطاول على السعودية أكثر، هذه هي الحقيقة، لقد أدخلوا جميعاً «حابل» ضغائنهم السياسية في نابل كرة القدم!

لا محظور في الحرب، يقولها المحارب الذي تجرد من الأخلاق، وعلى أرض المعركة، أما في مسألة السعودية وقطر فإن الوضع مختلف جداً، إنها حرب شعواء ومجنونة تخوضها السلطات القطرية من طرف واحد، لا تتوانى فيها عن فتح أي جبهة ما دامت تخدم غاية الظهور بمظهر «الصغير» المستضعف، وتستعين على ذلك بالكثير ممّن لا مكان لهم سوى على موائد اللئام.

مخطئ من يظن بأن هذه الحال من النفور العربي- العربي جديدة، على العكس، هو يأخذ أشكالاً متنوعة فقط، لكنه متّقد تحت رماد الأوضاع السياسية المتقلبة، يتحين المناسبة التي يستطيع من خلالها الكــشف عن نفسه وفضح كذبة الأمة العربية الواحدة.


في الآونة الأخيرة كانت السعودية الجديدة هي الهدف، أما الحرب فإنها على فكرة «المعاملة بالمثل» التي أعادت إلى السعوديين حاسة الوطن من جديد، بعد أن تاهت منهم في زحمة الصراع النفسي الذي أفرزته المرجعية «الإخوانية»، حين نجحت في حرف مفهوم المواطنة لدى الكثيرين باتجاه مفاهيم أخرى تنتقص من قدسية الأرض، خرجت من رحم السياسة لتتسلق سلّم الإسلام، مع سبق الإصرار والترصد على استغلاله في سبيل تحقيق وهم السيادة. كانت السعودية ولا تزال حجر عثرة أمام الدعايات الأممية «الخارقة»، إذ كانت ولا تزال تبني دولة، فيما ظل الذين نصّبوا أنفسهم أعداء لها -على اختلاف أسبابهم ومسمياتهم- منشغلون بها، لكن ما استفز «الأعداء» الجدد، هو التغير الكبير الذي طرأ على السلوك السعودي في الردع والمحاسبة، عندما وضع العواطف جانباً على طاولة الحقوق والواجبات في السياسة، معلناً أن وجه السعودية لم يعد فيه متسع من السماحة أمام المواقف الجشعة ولا المتراخية، وبأن قطار طموحها ومصلحتها السريع لا تغريه لعبة ذر الشعارات في عيون الجماهير.

بعد عام من المقاطعة، ولما فشلت «آلة» قطر الإعلامية في تحسين صورتها بالنظر إلى تاريخها المخيّب، يبدو أن قراراً تم اتخاذه قضى بأن على الجهود أن تتوحد باتجاه شيطنة السعودية، هذه المرة من خلال ترسيخ صورة مزيفة عنها تظهرها كمن يسعى إلى خلق العداوات لا من يجازي الآخرين بما يستحقون، في محاولة لوضع مصدّات شعبية عربية أمام ديبلوماسية المعاملة بالمثل الذي ينتهجها السعوديون بحزم في الآونة الأخيرة.

في اعتقادي، هذه الحال القطرية التي تجيد فن «الضرب تحت الحزام»، لن تتوقف قريباً، مادام الرهان على حكمة القطريين الشرفاء مصحوب بـ «القبضات» الأمنية التي تُحكم من خلالها سلطات الدوحة سطوتها على الجميع؛ إن تنظيم الحمدين بممارساته اللامسؤولة إنما يظهر كنموذج مطور لحزب الله ليس أكثر، مودياً بقطر إلى مصير لبنان الذي قطع عملاء إيران الطريق أمام قراره بالحديد والنار، ولهذا فإنه مطالب بأن يستوعب حقيقة أن الحرب التي يخوضها السعوديون أكبر منه في الواقع، حتى وهو يجعل من نفسه خندقاً متقدماً في حرب الولي الفقيه وعمائم الشر على العرب، رأس الأفعى هناك في طهران، وبمجرد قطعها ستُفتح النوافذ، وتتهاوى عروش بيوت العنكبوت.