سمير عطا الله

 كانت إحدى العمليات الأكثر سرية في تاريخ أميركا. تردد باراك أوباما طويلاً قبل أن يصدر الأمر بتنفيذها: ماذا لو فشلت؟ سوف يفشل عهده كله. وسوف يحدث ما حدث لجيمي كارتر عندما أمر بتلك الحملة الفاشلة لإنقاذ الرهائن بالسفارة الأميركية في طهران.

وإذا فشلت العملية، فكيف سيفسر ذلك للدولة الوحيدة المعنية؛ باكستان: اعتداء فاشل على سيادتها وأراضيها! لكن في المقابل، شعر باراك أوباما بأن القضية تستحق العناء والمغامرة. فإنما هو يطارد بطل «11 / 9»؛ التاريخ الذي نزل على الذاكرة الأميركية مثل هجوم بيرل هاربور، الذي أقحمها في الحرب العالمية الثانية.
تقررت عملية بن لادن بعد بحث طويل، وفي سرية مطلقة. وبدا واضحاً على رئيس أميركا أنه غير قادر على إخفاء توتره، وراح يمضي معظم وقته في الطابق الثاني من البيت الأبيض حيث يلعب الورق.
أحد القلائل الذين اطلعوا على السرّ كان بن رودس، كاتب خطابات أوباما منذ حملته الانتخابية، يوم كان لا يزال في التاسعة والعشرين من العمر. هو أيضاً بدأ يفقد أعصابه خلال تداول الاحتمالات، كما يروي في كتابه «العالم كما هو». لكنه لم يَدرِ أن امتحانه النفسي سوف يكون أشد وأقوى.
ليلة العملية في أبوت آباد، جاءه شقيقه ديفيد من نيويورك لزيارته في واشنطن. أراد أن يكون أول من يعرف النبأ؛ صحيح أنه استقال من إدارة شركة «فوكس» التلفزيونية، لكنه اليوم بالذات، عُيِّن رئيساً لشركة «CBS» الأكثر عراقة واحتراماً في البلاد.
ذهب الشقيقان يؤدّيان رياضة العدو على ضفة «البوتوماك» ويتبادلان الأحاديث. وعندما قال الشقيق الضيف: «بن؛ لا يمكن أن أخفي عليك شيئاً مهما كانت خطورته»، خيِّل إلى بن أن شقيقه على علم بشيء ما، ويريد استدراجه للاعتراف، لإعطائه أهم سبق صحافي يمكنه الحصول عليه في حياته.
لكن لا. لن يخرب على رئيسه العملية التي يعدّها الأهم في حياته السياسية، هو الذي اتهمه خصومه بالليونة حيال الإسلاميين المتشددين. في اليوم التالي جرت عملية بن لادن. وعندما اعترف بن لشقيقه بأنه أخفى عنه الأمر، قال له: «لو أنك خنت قسمك، لما اعتبرتك شقيقي».