نورالدين قربال

 لا شك أن العنوان يثير تساؤلات، لأن المغرب دولة عريقة ولها جذور تاريخيا وحضاريا ويتسم بالانفتاح على الآخر. وقد يعتبر العنوان عاديا في إطار البحث عن الأحسن والأفضل؛ وبالتالي فالموضوع مساهمة في التدافع حول المنهج الأفضل من أجل رؤية هذا البلد ضمن الدول المتقدمة.

اعتبر المغرب أمميا من الدولة المتميزة في مجال حفظ السلام، وهذا شرف لكل مغربي ينشد السلام ويتمناه للجميع. ولا غرو أن هذا الوطن محب للأمن والاستقرار والسلم، ولذلك خص أكثر من 1600 جندي وشرطي للذود عن السلم العالمي؛ لذلك كسب اعترافا أمميا في هذا المجال. وبالمناسبة نترحم على شهداء الواجب الوطني والإنساني.

أمام هذا المعطى، يمكن التأكيد أن المغرب الذي أبلى البلاء الحسن على المستوى الدولي والإقليمي سعى بكل ما يملك من أجل أن يرسم لوحة وطنية تتناغم مع العطاء الخارجي. وبقدر ما حقق من حضور تحت القيادة السامية لجلالة الملك بقدر ما عرف هذا الاختيار بعض الثغرات التي لها أسباب موضوعية وذاتية.

إن التنمية المستهدفة من خلال الفعل المغربي تبدو مستدامة، إلا أن الاستدامة تركز على التناغم الحاصل بينما هو اجتماعي واقتصادي وبيئي. إن الاقتصاد القائم على الأسس المتينة ينعكس أتوماتيكيا على البعدين الاجتماعي والبيئي. والملاحظ أن التوازن والتعاون بين الأقطاب الثلاثة غير مستقرين. ولا شك أن هناك أسبابا لهذا العطب المنهجي.

لقد وفقنا في تنمية بعض القطاعات، وتحسن المناخ في هذا المجال، وتحكمنا في بعض البنيات التحتية، لكن لم نحقق بالمقابل تماسكا اجتماعيا قويا وتربية مصاحبة، وصحة مستوعبة، وحماية اجتماعية متوازنة، وتقوية نسبة التشغيل.

لقد بذلنا جهدا كبيرا على مستوى الطاقات البديلة. لكن ماذا حققنا على مستوى الحكامة الترابية واللامركزية واللاتركيز والجهوية المتقدمة وربط المسؤولية بالمحاسبة؟ هل استطعنا أن نربط بين القطاع الخاص والعام بناء على التعاقد والتشارك والمواطنة؟.

إننا في حاجة ماسة إلى العدل والتوازن والاندماج، مع مراعاة كل إقليم على حدة. إننا نطمح إلى جماعات ترابية مواطنة، تتمثل القيم المبدئية التي تركز عليها المقتضيات القانونية الجاري بها العمل. إن نجاح الجهوية مرتبط بإحداث تغيير في هياكل الدولة، في إطار الوحدة.

إن المنهج التشاركي بين المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص والجمعيات واجب دستوري يغفله الكثيرون، ما يتسبب في اضطرابات تتطور بالتدرج حتى تتحول إلى ظواهر مستعصية. لقد شخصنا الواقع، وحددنا الحاجيات، والإمكانات، والأولويات واقترحنا المشاريع..لكن لم ننزل منها إلا النزر القليل، إذن أين الخلل؟ أصبحنا قبلة عالمية للمؤتمرات الدولية، لكن ما حظ تنميتنا من خلال هذه الملتقيات؟. وبقدر ما نسعى إلى الاجتهاد داخل المنظومة الوطنية نعيش تحدي الهجرة وتدفق المهاجرين إلى بلدنا. صحيح أننا قمنا بعمل متميز قاده جلالة الملك على مستوى تسوية وضعية مجموعة من الحالات وإدماجها في الواقع المغربي، لكن الطريق ما زال شاقا ومستعصيا على المنظومة العالمية.

نريد جهوية متقدمة متطورة تعفي الدولة من الخوض في الأمور التي تدخل في نطاق القرب وذات البعد الترابي المحلي.

إن المغرب الذي وقع مع إفريقيا أكثر من ألف اتفاقية مطالب بأن يتابع هذا الزخم من الاتفاقيات وأن يكون هو المنطلق بتمثله الاختيار الديمقراطي الذي أصبح ثابتا من الثوابت الجامعة للأمة المغربية؛ حتى لا يصدق علينا عنوان مؤلف الكاتب عبد الرحمان بن حمزة "الكل ليس سوى أحلام".

إن المغرب الذي ننشده مغرب المساواة ومقاربة النوع وتكافؤ الفرص، وفق منهج تشاركي يستوعب السلطات العمومية والمؤسسات المنتخبة والمجتمع المدني والسلطة الرابعة والمؤسسات التعليمية والقطاع الخاص.

وإذا كانت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حققت بعضا من أهدافها فيجب أن تعمل مع أطراف أخرى في إطار الالتقائية على استحضار المعايير المعتمدة لدى الأمم المتحدة على مستوى التنمية البشرية، نظرا للمراتب التي يحصل عليها المغرب.

وأخيرا وليس آخرا نؤكد أن المغرب حقق قفزات على مستويات عدة، لكننا نطمع في المزيد نحو:

-إقرار نظام إداري قادر على مصاحبة منظومة الإصلاح.

-وضع برامج تحسيسية على جميع المستويات.

-إحداث تناغم تشريعي بيئي وطني مع الاتفاقيات الدولية المرتبطة بالبيئة والتنمية المستدامة.

-حكامة تنزيل منظومة العدالة، حتى تصبح سلوكا يسري بين الناس.

-احترام وتمثل الاختيار الديمقراطي باعتباره ثابتا من الثوابت الجامعة للأمة المغربية.

وأخيرا نؤكد أن المغرب وقف شامخا ليواجه أمريكا وكندا والمكسيك في ملف تنظيم كأس العالم لسنة 2026، وهذا شرف لنا لأن العالم كله كان يشاهد هذه اللحظة التاريخية، لكن من الواجب أن نأخذ العبرة ونراجع أمورا كثيرة، وأهمها احترام قواعد الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسية. فهل نحن قادرون على إنجاز ما التزمنا به ونحققه في ظرف قياسي حتى نثبت للعالم أننا قادرون على المضي إلى الأمام رغم الاكراهات. إذن هذه فرصتنا لإعادة النظر في منهج التعامل والبناء التنموي. إنناwe can إذا توفرت الإرادة وخلصت العزائم واستيقظ الضمير الجمعي...إذن أيها المغرب الحبيب أنت منذ اليوم....إذن فليملأ كل فرد ومؤسسة هذا الفراغ استكمالا للصورة التي نحلم بها جميعا "المغرب الذي نريد".