علي الإدريسي

تتحدث وسائل إعلام مغربية، إلكترونية وورقية، عن "غضبة" وزارة الداخلية وعن "زلزالها" في موضوع يخص تدبير الحياة الإدارية وشؤون موظفيها المتعلقة بالتنقيلات بين أقاليم المملكة، (عمل عادي عند الغير نُعت عندنا بالزلزال)؛ غير أن تلك الوسائل تجنبت الحديث، أو أغفلته عمدا، عن أحكام القضاء على شباب حراك الريف في صيف 2018، الذي أُريد له أن يكون غاضبا ومزلزلا لمشاعر المغاربة الوطنية، بدل أن يكون منعشا لهم على شواطئ المغرب.

زلزال القضاء وحسابات مغلقة

إنه زلزال ذلك الذي أحدثته أحكام "القضاء المستقل" ضد شباب خرجوا للاحتجاج استنكارا للظلم الاجتماعي الواقع عليهم وعلى منطقتهم المجالية، حيث لا مستشفى جديرا بهذا الاسم في منطقتهم، ولا جامعة علمية جامعة للمعارف النافعة للمجتمع، على الرغم من وجودنا في الزمن الفزيائي في القرن 21، ولا مجالات لتشغيل الشباب في وطنهم، رغم جميع الوعود والانتظارات التي لا طائل من ورائها على أرض واقع الساكنة.

حيل لدفع المحتجين إلى ارتكاب هفوات

يبدو أن جهات ما لها دراية كافية بألاعيب وحيل دفع المحتجين إلى ارتكاب هفوات في تعابيرهم الممزوجة بالانفعالات الظرفية، نتيجة قلة خبرتهم بتلك الحيل والألاعيب. كما أن هذه الجهة تمتلك في الوقت نفسه القدرة التقنية على افتعال التهم التي تريد أن تثبتها "قضائيا" على المعتقلين، اعتقادا منها، وربما يقينا كذلك، بأن هذا هو الحل الناجع بالنسبة إليها لإسكات كل من يحتج قصد تحقيق العيش الكريم، والعلاج للمرضى، والتعليم لكل بنات وأبناء المغرب حيثما وجدوا في الوطن. ونسي هؤلاء أن الجشع في التحكم والتسلط وانتقام الأحكام من شباب الحراك السلمي لا يمكن أن يخيف بطريقة مطلقة المحتجين الآخرين في طول المغرب وعرضه، وينذرهم بمصير مماثل لشباب الحراك.

هل زغنا عن مقاصد العهد الجديد؟

نعتقد أن كل مغربي له الحق في أن يستخلص ما يراه مناسبا ومقصودا من هذه الأحكام، لكننا نتمنى أن يلتزم بالنزاهة الأخلاقية والوطنية في التقييم والتقويم الممكنين، بعيدا عن أي نزعة وثنية، أو عرقية سائدة في بعض التحليلات، بطرح سؤال: هل بمثل هذه الأحكام نضمن تحقيق ما بشر به العهد الجديد المغاربة؟.

في الوقت الذي بشر العهد الجديد المغاربة بـ"الصفح الجميل"، وإنجاز مشروع وطني مغربي يستوعب كل المغاربة حيثما كانوا، يتم اللجوء إلى حيل لا وطنية، تتمثل في احتكار المغرب، أو كما يقال: "الاستيلاء على الجمل وما حمل"، حسب رؤيتي، إذا كان لازال مسموحا لنا أن نرى ما لا يراه المتنفذون في الدولة وإعلامهم، الذين يحشون أسماعنا بشعار الوطنية بمناسبة وبدون مناسبة. ونتمنى أن تتسع قلوب كل من له الغيرة الوطنية الصادقة على هذا الوطن، لكي نطرح عليهم الأسئلة التالية:

أسئلة لا بد منها

1 نسأل في البداية خريجي سجون سنوات الجمر والرصاص هل أنتم مقتنعون يقينا بأن هذه السنوات أمست من ماضي المغاربة الغابر؟ إذا كان الجواب بنعم، هل وجدتم فرقا حقيقيا بين أحكام محكمة الدار البيضاء الصادرة يوم 26 يونيو 2018 في حق نشطاء حراك الريف وبين الأحكام التي كانت تصدر في العهد السابق في مراكش والدار البيضاء والقنيطرة وغيرها؟.

2 والسؤال الثاني نتوجه به إلى الذين روجوا بصدق، أو بغير صدق لهيئة الإنصاف والمصالحة، وإلى الذين لجؤوا إلى اتخاذ "إنجازاتها" وتوصياتها مرجعا لهم سياسيا وحقوقيا، واستمداد شرعيتهم الحزبية منها؛ كما اعتبرها البعض الآخر وسيلة للقطيعة مع القمع الذي تم انتهاجه في مغرب 1956 – 1999، مبشرا بمغرب الغد، ومنه يومنا هذا، الذي استقبلنا فيه أحكاما لا تختلف في شيء عن أحكام سنوات الجمر والرصاص. ونسألهم بكل صدق ممزوج بالخوف على وطننا المغرب، هل سينتظر المغاربة تأسيس هيئة إنصاف أخرى في زمن سياسي مغربي آخر؟.

3 السؤال الثالث يتعلق بالمستهدف والمقصود بإصدار هذه الأحكام، التي تصل في مجملها إلى حوالي 300 سنة سجنا نافذا على شباب يطالبون أولا بالعيش الكريم في وطنهم، ويطالبون ثانيا بمستشفى لعلاج أمراض السرطان، التي لا يجهل الكثير من المتنفذين أسباب انتشارها بالجملة في منطقة ريف المغرب، ويطالبون ثالثا بجامعة للعلم والمعرفة لبناتهم وأبنائهم. ونسأل من هم المستهدفون الآخرون من هذه الأحكام، زيادة على نشطاء الريف، أولئك الذين يمكن أن ينطبق عليهم المثل العربي الشهير "إليك أعني واسمعي يا جارة"؟.

ولماذا لم يتم الكشف عن المسؤولين الفعليين عن مقتل تاجر السمك المرحوم محسن فكري، وفقا للقانون والدستور؟ ولماذا لم يُسأل ويُحاسَب الوزير المسؤول عن الصيد البحري وتسويق المنتوجات البحرية بدل أن يرقى إلى رتبة رئيس حزب ليشارك بقوة في تعطيل دواليب الدولة من العمل طيلة 6 شهور، ثم يأتي ليخبر مريديه بأنه الحصان الرابح في سباق 2021 نحو رئاسة الحكومة؟.

4 السؤال الرابع: من حقنا وحق كل المغاربة أن يتساءلوا ما إذا كان طلبهم للشغل الشريف في وطنهم المغرب جناية في نظر نظام القضاء المغربي؟ وهل المطالبة بالمستشفى لعلاج مرض السرطان، المنتشر انتشارا شاملا في منطقة الريف، بسبب الغازات السامة الاستعمارية، تهدد – المطالبة – أمن وسلامة الدولة؟ وهل الالتماس من الدولة تأسيس جامعة في الحسيمة المغربية جريمة يعاقب عليها قانون الجنايات في نظام القضاء المغربي بـ20 سنة سجنا نافذا؟. قد يقول بعضهم ليست هذه هي جريمة شباب الحراك، ولا يمكن أن نصرح بها، لأنها من أسرار الدولة، وتقع تحت طائلة واجب التحفظ. هل يوجد في العالم العاقل من يبني الدولة في السرية والغموض؟.

إذا كانت هذه هي الدولة الواقعية، المجسدة على أرض المغرب، فهل "يتكرم" المتنفذون أصحاب السلطة الفعلية، والمأهلون لتأويل الدستور بما يناسب أهدافهم في هذا الوطن، أن يبينوا بكل شفافية للمغاربة الطيبين أمثال شباب حراك الريف، وشباب جرادة، وشباب سيدي إفني، وشباب تنغير، وشباب الأحياء المهمشة، والمعطلين من خريجي المدرسة المغربية، ولسكان المدن القصديرية، والمناطق المقصية من المغرب المفيد، ما طبيعة الدولة التي يريدونها فعليا للمغاربة، لكي يلتزموا بها في غدوهم ورواحهم؟.

5 في ختام هذه التساؤلات نُذكّر بأن كل شيء يحدث إلاّ وله صانع، ومروج، ومستفيد، فمن يكون هؤلاء؟.

ما نحن متأكدون منه أن لتوترات حراك الريف صانع، مَثلُه كمَثل ما وقع منذ سنوات في "اكدم إيزيك" بالجنوب. والآن جاء دور الشمال، وفي الريف بالذات لأسباب لا تخفى على النبهاء. والقاسم المشترك بين الصانعين هو ضرورة إهمال احتجاجات المحتجين حتى تجتمع الظروف، لكي يتم إقحام القوى الأمنية لمواجهة المواطنين، ودفع الجهات المختصة إلى فتح بنك التهم الجاهزة، وتكييفها حسب كل ناشط. فإذا استطاعت عناصر الدولة التي بقيت خارج سلطة المتنفذين والتحكم أن تعرف صانع توترات نشطاء الحراك في الريف نتمنى عليها أن تبين لنا من صنع اكديم إيزيك في الجنوب؟ لأن الدولة لا تبنى على هواجس ولكنها تبنى على وقائع.

ولكل صناعة مروجون، وهم كثر، كل حسب ربحه من الترويج الذي يتبناه للبضاعة المروج لها وكيفيات الترويج. وربما كان هناك مروجون كبار يحركون آلياتهم الترويجية من وراء حجاب على طريقة قادة المافيا الكبار.

أما المستفيدون فقد يكونون كثرا كذلك، وأولهم في نظرنا المستفيدون من ريع سنوات الجمر والرصاص؛ ولهذا يصرون على ضرورة إبقائها والعض عليها بالنواجذ، واستعادة سلطتها وريعها كاملين غير منقوصين؛ فهم يرفضون أن يكون هنالك مغرب للجميع، إلاّ في شعارات استهلاكية ظرفية من صنف "دولة الحق والقانون"، و"المواطنة" و"الانتخابات النزيهة"، و"المحاكمة العادلة"، وغيرها من الشعارات التي فطن ذكاء المغاربة لتحايلها عليهم، فأضحوا من أكثر الشعوب التي تقاطع الانتخابات، في هذا الزمن.

أين الأحزاب المغربية؟

أما أحزاب الأغلبية الحكومية فبقيت وفية لخرجتها يوم 14 مايو 2017 التي اتهمت فيها على التلفزيون الرسمي نشطاء حراك الريف بالنزعة الانفصالية، وبعد إصدار الحكم لم تتفوه بأي شيء بشأن الأحكام القضائية ليوم 26 يونيو 2018، وكأنها كانت تنتظر أكثر من ذلك، وفقا لما صرح به محام تابع لأحد أحزاب الأغلبية. أما الحزب الذي يزعم أن مرجعيته السياسية مستمدة من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، ويصنف نفسه في المعارضة، فقد وصف أمينه العام أحكام القضاء بالقاسية، لكنه سرعان ما اعتبر أن مطالب شباب الحراك سادتها "انحرافات وتجاوزات كادت أن تُخرج احتجاجات الريف عن إطار الدفاع عن مطالب اقتصادية واجتماعية مشروعة والزج بها في متاهات تصفية حسابات سياسوية"، حسب تعبيره.

المغرب في حاجة إلى الحسن اليوسي معاصر

وفي الختام أليس في الدولة المغربية من يرى الواقع بوضوح، ويقوم بواجبه نحو الوطن قبل فوات الأوان؟ مما لا شك فيه يوجد في مغربنا المسكين من يدرك الوقائع والمآلات، لكنه يحتاج إلى الأمان، لكي يتكلم، كما كان يسود في أزمنة سياسية مغربية سابقة.