ليون برخو

 هناك تصور أن الغرب يتبع سياسة إقصاء تأخذ الدين هدفا في قبول أو رفض اللاجئين الذين يتقاطرون إلى دوله زرافات.
لا شك أن هناك ردة فعل سلبية ضد الإسلام والمسلمين في الغرب، وإثبات ذلك قد لا يحتاج إلى جهد وبحث واستقصاء. لقد صارت ردة الفعل هذه ظاهرة تقريبا على أغلب المستويات.
لن أدخل في تفاصيل هذه الظاهرة وأسبابها، لقد تطرقنا في هذا العمود إلى الظاهرة بإسهاب، وقدمنا تحليلا نقديا لها، ولم نبرئ ساحة العرب والمسلمين من المساهمة في تفاقمها.
ولكن ما يقع من أحداث راهنة في كثير من الدول الغربية بقدر تعلق الأمر بالنظرة إلى الآخر المختلف، لا بد أن يجعل الباحث يعمل على تغيير وجهة البوصلة، أو بالأحرى تسليط الضوء على جوانب أخرى.
هناك تنام وبزوغ لتيار شعبوي يميني متطرف في الغرب، وهناك أيضا تنام ونمو لتيار سلفي ديني متعصب ولا سيما في شمال أمريكا.
وبينما زاد الباحثون والصحافيون الاستقصائيون من تركيزهم على ظاهرة بروز تيار اليمين المتطرف، أرى أن مسألة السلفية الدينية المتعصبة في الغرب وقراءتها الحرفية لما تراه نصوصا مقدسة، لم تأخذ ما تستحقه من التغطية في وسائل الإعلام. وإن قارنا ما تجتره وسائل الإعلام، وما تنشره مراكز الأبحاث والجامعات عن المجاميع الإسلامية المتطرفة والمجاميع المسيحية المتطرفة، لرأينا أن الأخيرة قلما تحظى بتغطية سلبية مثل الأولى.
اليمين المتطرف والنظم الشعبوية لا ينظران إلى العرق فقط في إقصائهما للآخر. بعض هذه المجاميع يأخذ الدين وحتى المذهب في نظرته الدونية للآخر، ولكن يبقى العرق في قمة أولوياتها العنصرية.
ومن الصعوبة بمكان تعريف الدين اليوم. الدول الغربية الأوروبية، التي تقع ضمن الاتحاد الأوروبي، أغلبها علماني التوجه، واللادينية "الإلحاد" تشكل "الدين" السائد. "الإلحاد" أيضا شيء من الدين، رغم أن البعض يرفض وضعه في خانة الدين؛ لأن أصحابه يقصون أتباع الأديان الأخرى.
العلمانية في فرنسا تمنع مثلا الإظهار العلني لكثير من الرموز الدينية للآخرين، وهذا يشبه إلى حد ما ممارسة دينية متطرفة، تقصي ممارسة أصحاب دين أو مذهب مختلف.
والغرب لا يعاني اليوم فقط إقصاء الآخر بسبب العرق أو الدين. هناك أصوات كثيرة اليوم تحذر من موجة من التعصب والعنصرية التي لم تعد مجرد مسألة إقصاء، بل مسألة اعتداء وانتهاك صارخ لحقوق الآخر.
خذ مثلا ما حدث للاعب سويدي من أصول تركية ضمن فريق السويد في كأس العالم في روسيا. السويد تتربع حسب أكثر اللوائح العالمية في أعلى سلم الرقي، ليس فقط التكنولوجي والاقتصادي والعلمي، بل في سلم المساواة وحقوق الإنسان.
ولكن الهجمة، التي شنها السويديون في مواقع التواصل على اللاعب جيمي دورماز، تجاوزت مسألة الدين. دورماز ليس مسلما بل مسيحي، مع ذلك لو قرأنا طوفان التعليقات العنصرية التي انهالت عليه لمجرد خطأ عادي قد يقترفه أي لاعب في كرة القدم، لعرفنا في أي وادٍ تغوص الدول الغربية في إقصائها للآخر.
واللاجئون الذين يهيمون على وجوههم في الصحاري والبحار للوصول إلى أمريكا ــــ بلد الأحلام ـــ وهم بعشرات وعشرات الآلاف كل شهر، ليسوا مسلمين. ولا حاجة إلى الإسهاب في الأساليب المهينة، التي يتعاملون بها حتى وصل الأمر إلى فصل الأطفال والرضع عن أمهاتهم ووضعهم في سجون خاصة.
ولنرجع إلى الوراء، إلى التاريخ السحيق. لم يحدث أن أرسل البحارة أو الناس في سفينة إشارة إنقاذ في البحر ولم تستجب، رغم تسلمها من قبل الآخرين حتى لو كانوا قراصنة. هذا مبدأ إنساني وأخلاقي لا أظن جرى تحديه أو انتهاكه حتى إن كان الذي في خطر عدوا لدودا.
اليوم؛ الدول الغربية ترفض تقديم المساعدة إلى سفينة على وشك الغرق بعشرات أو ربما مئات اللاجئين الهائمين على وجوههم، مع تسلُّمهم إشارات إنقاذ أو نجدة، رغم ما تملكه هذه الدول من إمكانات هائلة.
لن أذكر أسماءَ السفن، التي أرسلت إشارات النجدة ولم تتم تلبيتها، وقصصها المرعبة، ولن أتحدث عما تقوم به بعض الدول الغربية من إجراءات أقل ما يقال عنها إنها منافقة وبغيضة.
إيطاليا ترفض طلب النجدة من سفينة قد تغرق في البحر بركابها، وفرنسا ترفض عبور اللاجئين من إيطاليا إلى أراضيها، وهنجاريا تتبع سياسات ترتقي إلى العنف المفرط ضدهم؛ كي لا يفكر أي مهاجر القدوم إليها، وتتبع تقريبا النهج ذاته دولٌ مثل بولندا وسلوفاكيا وتشيكيا، وتدخل على الخط النمسا، وتتخذ خطوات قد تقود إلى المسار ذاته بريطانيا، وأخيرا دول شمال أوروبا.
وعن موقف الولايات المتحدة من اللاجئين في دول أمريكا اللاتينية فحدث ولا حرج. كل هذا والإحصائيات تشير إلى أن عدد المهاجرين الوافدين إلى دول الاتحاد الأوروبي لا يتجاوز 0.2 في المائة من السكان.
مواقف مثل هذه، وسياسات مثل هذه، وتنامي حركات متطرفة ومتعصبة، وكذلك عنصرية جعلت بعض المفكرين في الغرب يشبه عام 2018 بعام 1918، السنة التي اندلعت فيها الحرب العالمية الأولى