مختار شعيب

 تصور معى سيدى القارئ أنه لو لم تنجح ثورة 30 يونيو ماذا كان ينتظر مصر من كوارث؟. دعنا نقرأ المشهد السابق على 30 يونيو لنعرف السيناريوهات التى كانت معدة للدولة المصرية وكانت تنفذ على الأرض منذ ما قبل 25 يناير 2011.

السيناريو الأول هو استمرار حالة الاحتقان الشعبى وزيادتها فى ظل حرب الشائعات التى كانت فى أوجها فى الفترة من 25 يناير حتى 30 يونيو 2013 فى ظل المرحلة الانتقالية الاولى فى عهد حكم المجلس العسكرى، حيث تعمدت جهات خارجية وأخرى داخلية شن حرب إشاعات وحرب إعلامية على مؤسسات الدولة خاصة الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والصحافة، وكادت أن تتحول بعض تلك الاحداث المؤسفة الدموية المخططة من قبل هذه الجهات إلى حرب أهلية، وهذا ما حدث إبان أحداث ماسبيرو وشارع قصر العينى وشارع محمد محمود وأحداث الإسكندرية والمقطم وغيرها، وبالتالى شل قدرة وفاعلية مؤسسات الدولة وتوجيه الغضب الشعبى تجاهها فى ظل ضعف الخدمات العامة وعدم توافر الأمن مع انتشار العصابات الإجرامية والسرقة وخطف الأشخاص والسيارات والسطو المسلح على المحلات والبنوك وغيرها، وبالتالى نشر الفوضى فى ربوع الوطن وتمكين الجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية وإقامة تحالف بينها لتدمير مؤسسسات الدولة خاصة الجيش والشرطة، وكان أخطرها توجه هذه العصابات إلى مقرى وزارات الدفاع فى شارع الخليفة المأمون والداخلية فى شارع محمد محمود والإعلام فى ماسبيرو ولو سيطر هؤلاء على هذه المقار لنجح سيناريو إعلان مصر فى حالة حرب أهلية وفوضى كبرى بقيادة الإخوان والجماعات الإرهابية المتحالفة معها والتيار الفوضوى من حركتى الاشتراكيين الثوريين و6 أبريل.

هذا السيناريو معناه تفكيك أجهزة الدولة كلها، وبدأ ذلك مع الهجوم على أقسام الشرطة ومقار أمن الدولة والأمن العام والهجوم على المحاكم وحرقها واستهداف الوحدات العسكرية، كما حدث فى رفح وكرم القواديس والعريش وغيرها وبالتالى التحول إلى تطبيق السيناريو الليبي- اليمنى - السورى فى حالة مصر، حيث تكون هناك مواجهات عسكرية يومية بين مؤسسات الدولة الشرعية والميليشيات المسلحة الإرهابية والعميلة لجهات أجنبية، وتستمر حالة الفوضى الهدامة وتفكيك مؤسسات الدولة ما يسمح لدول اجنبية بالتدخل فى الشأن المصرى سواء لدعم هذا الطرف عسكريا أو ذاك وبإقامة قواعد عسكرية لها.

ومن أبرز القوى التى كانت راغبة فى هذا السيناريو، الولايات المتحدة وإسرائيل وإثيوبيا وتركيا وقطر وإيران وبريطانيا وألمانيا، وكل منها له أجندة يرغب فى تنفيذها بمصر وكانت ستتسابق روسيا وفرنسا للتدخل لتحصل كل منهما على قطعة من «الكعكة المصرية»، كما يحدث الآن على الأرض فى سوريا واليمن وليبيا خاصة فى ضوء معرفة هذه الأطراف قدرات مصر وثرواتها من الغاز والنفط والذهب فى البحرين المتوسط والأحمر وأسوان وحلايب وشلاتين، أما إسرائيل كانت ستذهب بعيدا وتحتل سيناء، كما أن إثيوبيا كانت ترغب فى عدم وجود دولة فى مصر لفترة تمكنها من فرض الأمر الواقع فى مسالة سد النهضة وفرض إرادتها فى مسألة مياه نهر النيل.

 

> والجماهير تؤيد البيان

وكان من المخطط له أن تستمر حالة الحرب الاهلية فى مصر لفترة عشر سنوات اى تنتهى فى عام 2021 بتفتيت الدولة المصرية إلى مجموعة دويلات الأولى دويلة النوبة جنوب مصر على أرض حلايب وشلاتين وأسوان والأقصر وبعض مناطق قنا والوادى الجديد لتكون حدودها غربا مع دويلة الطوارق والبربر فى ليبيا، وجنوبا مع شمال السودان، وشرقا على البحر الأحمر تحت حماية ورعاية من ألمانيا والولايات المتحدة، وشمالها دويلة قبطية على اجزاء من محافظات اسيوط والمنيا وبنى سويف والبحيرة خاصة منطقة وادى النطرون وبعض أراض من الوادى الجديد ومطروح والإسكندرية تحت حماية ورعاية من الولايات المتحدة وبريطانيا، وأما سيناء فيتم احتلالها من قبل تحالف دولى تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا وتركيا وقطر والمانيا وفرنسا وإيطاليا بحجة مكافحة الإرهاب.

وكانت إيطاليا رافضة لهذا السيناريو فتم افتعال حوادث ضد الاستثمارات الإيطالية فى مصر ومنها الهجوم على مصانع مجموعة إيطالى شمنتى وغيرها لتنضم لهذا التحالف، وبالتالى تطبيق صفقة القرن لإنهاء القضية الفلسطينية على حساب مصر بتوطين أهالى قطاع غزة واللاجئين الفلسطينيين فى سيناء وتهجير عرب 48 من داخل إسرائيل إليها، ووضع هذه الدويلة تحت سيطرة مباشرة من هذا التحالف بقيادة واشنطن وتل أبيب وخاصة أن معظم إنتاج مصر واحتياطاتها من النفط والغاز موجودة فى اراضى ومياه هذا الإقليم فى البحرين الأحمر والمتوسط، اما باقى البلاد فيسمى باسم مصر وتصبح دولة هشة غير قادرة على فعل اى شيء وتعانى من تكدس سكانى وقلة موارد وارتفاع البطالة ومعدلات الجريمة فتوضع عمليا تحت تأثير ونفوذ واشنطن والقوى الدولية المتحالفة معها.

والسيناريو الثانى وكان يتم تنفيذه بالتوازى مع السيناريو الأول فى حالة نجاح مؤسسات الدولة تحت حكم المجلس العسكرى فى القضاء على السيناريو السابق يتم تسهيل الطريق لجماعات الإسلام السياسى لاختطاف الدولة ومؤسساتها من خلال عملية ديمقراطية صورية تشمل انتخابات برلمانية ورئاسية وتضع هذه القوى المتحالفة دستورا يحكم قبضتها على الدولة ومؤسساتها لـ 500 سنة قادمة.

وفى حالة نجاح هذا السيناريو كانت مصر ستوضع تحت حماية مباشرة من الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا وقطر وألمانيا وبريطانيا، وكان الثمن الذى سيقدمه الإخوان وانصارهم لهذا التحالف اجراء عملية تبادل أراض مع إسرائيل سبق ان رفضتها مصر تكرارا تسمح بتصفية القضية الفلسطينية بمنح الفلسطينيين منطقة رفح المصرية وشمال سيناء حتى العريش يتم فيها إقامة دولة فلسطينية وتهجير عرب 48 إليها وفلسطينيو النقب ومناطق فى الضفة الغربية وباقى سكان الضفة يتم تهجيرهم إلى الأردن، أما اللاجئون الفلسطينيون يتم تخييرهم اما العودة الى الدولة الفلسطينية الجديدة أو إلى الأردن أو التوطين داخل البلاد التى يعيشون فيها، وكانت الاتصالات التى قادها الدكتور سعد الدين إبراهيم مهندس العلاقة بين الأمريكيين والإخوان بين هذه الأطراف قد أدت إلى التوصل لاتفاق تضمن من خلاله واشنطن تمكين الإخوان من حكم مصر وأن تقنع الجانب الاسرائيلى والاوروبى عامة بهذا فى مقابل قبول الإخوان وتنفيذهم لمشروع صفقة القرن التى وضعها الإسرائيلى ايجور ايلاند عام 2006 وتبناها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو.

وبدأت تجليات هذا السيناريو تتحقق من خلال الإخوان فتم تجنيس المئات من الفلسطينيين فى مصر خاصة سيناء وفتح البلاد كافة خاصة سيناء لاستقدام الإرهابيين والمطالبين من كل انحاء العالم وخاصة من افغانستان وفتح قنوات اتصال بينهم وبين الإسرائيليين، وبالتالى وضع سيناء تحت حماية مباشرة من إسرائيل والولايات المتحدة وتحول مصر لقاعدة أمريكية فى المنطقة، حيث كانت واشنطن ترغب فى إقامة قاعدتين عسكريتين لها، الأولى فى محافظة مطروح بحرية وبرية، والثانية على البحر الأحمر، ولطالما طالبت مصر بذلك منذ عهد الرئيس الراحل انور السادات لكن مصر كانت ومازالت ترفض ذلك ما عدا فى فترة حكم الإخوان، كان هناك مشاورات بين الجانبين لتدشين ذلك وكان هناك تعاون وثيق بين الإخوان من ناحية وقطر وتركيا من ناحية ثانية، تجلى فى تهريب الإخوان آلاف الوثائق المهمة الى الجانب القطرى، وصاحب هذه الفترة اخطر مظاهر الصراع السياسى بين المصريين الذين انقسموا الى فريقين الاول مؤيد للجماعات المتطرفة عن عدم وعى أو فهم أو بدوافع دينية مغلوطة، والثانى مؤيد للتيار المدنى المناهض لسياسات الإخوان فى دعم الجماعات الإرهابية كما ظهر فى احتفالية استاد القاهرة التى أقامها الإخوان والاستحواذ والسيطرة على مفاصل الدولة دون غيرهم وسياسة الابعاد والإقصاء التى اتبعوها مع كل الفئات حتى المقربين منهم كما فى حالة السلفيين واضطهاد وتعذيب وتكميم أفواه من يعترضون كما فى احداث المقطم والاتحادية، وكادت مصر فى عهدهم أن تعود للسيناريو الأول او الأسوأ منه. وهذا السيناريو كاد أن ينجح لولا مقاومة الشعب بكل طوائفه لهذا السيناريو وتجلت مظاهر وائتلافات مدنية خلال هذه الفترة قامت بدور بناء فى مواجهة هذا السيناريو كان من أبرزها جبهة الانقاذ التى قادت ثورة الشعب فى 30 يونيو 2013، وهكذا أنقذت ثورة 30 يونيو مصر والمنطقة بأسرها من سيناريوهين كل منهما أسوأ من الثانى.