عبدالله السعدون

القوة الناعمة خيار جيد ومؤثر بجانب القوة العسكرية، وقد جربت الولايات المتحدة كلا الخيارين وثبت أن الاقتصاد والسياسة والفن هي الأمضى سلاحاً على المدى البعيد، وفي بعض المواقف لابد من استخدام القوة العسكرية كما حصل في الحربين العالميتين حين دعمت أميركا الحلفاء.

اختلفت الريح والشمس أيهما أقوى، قالت الريح أنا الأقوى لدي القدرة على اقتلاع الأشجار، وقالت الشمس أنا الأقوى أذيب جبال الجليد، ونظرا إلى شخص يمشي فقالت الريح من يستطيع أن يخلع عنه قميصه فهو الأقوى، وسوف أبدأ أولاً، هبت الريح وكلما زادت سرعتها زاد صاحب القميص تمسكاً بقميصة، وأخيراً أعلنت الريح عجزها، وجاء دور الشمس وطلبت من الريح أن تتنحى، وأرسلت أشعتها الحانية نحو الشخص فأحس بالدفء حينها خلع قميصه، التفتت الشمس إلى الريح وقالت: ليست كل الأمور تؤخذ بالقوة أو كما يقول المثل: «إذا كان سلاحك الوحيد مطرقة فكل ما تراه أمامك مسامير»

تذكرت هذه القصة الخيالية المعبرة وأنا أرى التقارب الكبير والسريع بين كوريا الجنوبية وجارتها كوريا الشمالية الذي بدأ مع تشكيل فريق مشترك من الكوريتين للألعاب الأولمبية الشتوية تبعه لقاءات بين المسؤولين من البلدين، ثم توج بالتقارب الكبير بين كوريا الشمالية وأميركا بعد أن كادت الأمور أن تتطور إلى حرب نووية مدمرة، وقد ساعد على ذلك الحصار الاقتصادي الذي مارسته الولايات المتحدة على كوريا الشمالية، كما تمارسه اليوم بكل حزم على النظام الإيراني الخارج على الأعراف الدولية بتدخله السافر في شؤون الدول الأخرى وتأسيس ميليشيات عسكرية تسيطر تدريجياً على مراكز القوة في البلد كما هو اليوم في لبنان ومحاولاتها تكرار ذلك في كل من اليمن والعراق، كما تحاول جاهدة تطوير برنامجها النووي والاستمرار في أبحاثها لتطوير منظومة الصواريخ، لكن النتائج على أرض الواقع تسير بعكس ما تريده وما تخطط له منذ قيام الثورة الإيرانية، فانتخابات العراق هي استفتاء على عروبته وتأثير القوة الناعمة، لقد أثبتت سياسة المملكة في انفتاحها على العراق اقتصادياً واجتماعياً ورياضياً أنه الطريق إلى التقارب وإبعاد شبح الحرب والفقر عن المنطقة.

لدى المملكة وسائل كثيرة لتفعيل القوة الناعمة ومن أهمها الاقتصاد والتبادل التجاري والعلمي والثقافي والرياضي مع الدول، وقد كان لزيارة ولي العهد لأميركا قبل أشهر ولقاءاته مع المسؤولين الحكوميين ورؤساء الشركات والجامعات أثر كبير على تقريب وجهات النظر والتعاون في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، مما سيعزز جهود المملكة السلمية على مستوى العالم، بعد أن تضاءلت بعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 مما سمح لإيران أن تؤسس الجمعيات وترسل المساعدات الطبية والتعليمية لأغراض سياسية وخاصة في الدول الفقيرة وغير المستقرة، لكن المملكة تنبهت إلى ذلك في عهد خادم الحرمين الملك سلمان مما قلص من نفوذ إيران في تلك الدول.

ومن الأخطاء التي ساعدت إيران على دخول اليمن هو موقف القيادة اليمنية من غزو الكويت حيث أعلنت تأييدها لصدام في غلطة تاريخية لا تستغرب من دولة خلت من المؤسسات الفاعلة ومن مراكز الدراسات الاستراتيجية، إضافة إلى إعلام عاطفي موجه، وهو ما جعل المملكة والكويت توقفان المساعدات عن اليمن ومنها دعم الميزانية وإيقاف إرسال المعلمين إلى اليمن، كما توقفت أنشطة كثيرة مما جعل الاقتصاد اليمني ينهار وتصل قيمة الدولار إلى 50 ريالاً يمنياً خلال عام واحد بعد أن كان بخمس ريالات فقط.

لقد كان لهذا الانهيار الاقتصادي تأثير سيئ على حياة الشعب اليمني وهو ما أتاح لإيران تأسيس قاعدتها في صعدة وإرسال آلاف الطلبة اليمنيين إلى طهران وقم، وفي ظني أنه ما كان يجب أن يتوقف الدعم عن الشعب اليمني حتى ولو وقفت الحكومة أو أحد أحزابها موقفاً معادياً للمملكة لأن هذا يترك فراغاً من السهولة ملؤه من قبل الدول المعادية والطامعة في موطئ قدم في مناطق محاذية للمملكة، كما لا ننسى أن القيادات في الدول تتغير ويبقى الشعب والوطن.

القوة الناعمة خيار جيد ومؤثر بجانب القوة العسكرية، وقد جربت الولايات المتحدة كلا الخيارين وثبت أن الاقتصاد والسياسة والفن هي الأمضى سلاحاً على المدى البعيد، وفي بعض المواقف لابد من استخدام القوة العسكرية كما حصل في الحربين العالميتين حين دعمت أميركا الحلفاء، وحين تدخلت في كوريا ضد الغزو الشيوعي من قبل الاتحاد السوفييتي ليعقبها دعم اقتصادي أصبحت معه كوريا الجنوبية حليفاً قوياً لأميركا. وكما يحصل اليوم في اليمن حين لبى التحالف العربي نداء الحكومة اليمنية والتي أعقبها الكثير من الدعم والتنمية، والقادم أفضل بإذن الله.