طلال صالح بنان

أُجريت في تركيا، يوم الأحد قبل الماضي، انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، أتت بالسيد رجب طيب أردوغان، كأول رئيس للجمهورية التركية الثانية. كما تمخض عن تلك الانتخابات برلمان جديد. في الوقت الذي لم يحصل حزب الرئيس أردوغان على نصاب الأغلبية المطلقة في البرلمان الجديد، فإن تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية، بزعامة دولت بهشتلي، ضَمِنَ للرئيس أردوغان الحكم ببرلمان «موالٍ» (344 من 600 مقعد «‏%53.66»).

بينما الحجة الرئيسية، التي يسوقها أنصار النظام الرئاسي الجديد، كونه يشكل استقراراً يُمَكّنُ الحكومة من البقاء في السلطة، 5 سنوات، بعيداً عن صراعات وإزعاج البرلمان، إلا أن النظام الرئاسي الجديد في تركيا، هو في حقيقة الأمر، نظام «هجين» بين النظام الرئاسي وشبه الرئاسي، ربما يناسب - إلى حدٍ كبيرٍ - شخصية الرئيس أردوغان المختلفة غير التقليدية، كما يصف هو نفسه، التي كثيراً ما ظهرت في علاقته مع شركاء مقربين له من حزبه، من أمثال: رئيس الجمهورية السابق (عبدالله غول).. ورئيس الوزراء الأسبق (أحمد دَاوُد أوغلو).

أهم أوجه التحول هنا: «تقليعة» التحالفات الحزبية، قبل الانتخابات العامة، لا بعدها، كما هو الحال في الأنظمة البرلمانية وشبه الرئاسية. في فكر وفلسفة وسلوك الرئيس أردوغان، لا يمكن الاكتفاء بالسيطرة على مؤسسة الرئاسة، بل الحفاظ بنفوذٍ مُمْسِكٍ، ليس بالضرورة مباشراً، على السلطتين (التشريعية والقضائية). الرئيس، وفقاً لدستور 2017، لا يحكم فقط بعيداً عن سطوة البرلمان المباشرة، بل بِشَيْءٍ من الدالةِ المباشرةِ على المشرعين.. وكذا بوجودِ ثقلٍ لمؤسسة الرئاسة على السلطة القضائِيّة.

لا الرئيس ولا حكومته، للبرلمان سلطة على حركتهم.. ولا على مصير بقائهم في مواقعهم التنفيذية الرفيعة. الوزراء ليسوا مسؤولين أمام البرلمان، وليس له حتى استجوابهم للتحقيق معهم حول أدائهم، وإن كان له الإشراف والرقابة، لكن عن بعد (نقض برلماني أو تحقيق برلماني أو اجتماع عام أو سؤال خطي)! كما للرئيس أن يحكم بمراسيم، في ما يخص أمور السلطة التنفيذية... بل إن من حقه إعلان حالة الطوارئ، دون موافقة البرلمان! وله أن يعين نوابه ووزراءه وكبار رموز الدولة التنفيذيين ويعفيهم.. وله حق الدعوة للاستفتاء على قوانين (مراسيم) التعديلات الدستورية، دون الرجوع للبرلمان.

صلاحيات واسعة للرئاسة التركية تمارسها بعيداً عن إرادة البرلمان وتشكيلته الحزبية، عكس ما هو الحال في النظامين الأمريكي والفرنسي! في الأول، على سبيل المثال: لا يكتمل تعيين رموز السلطة التنفيذية، إلا بالتصديق عليهم من قِبَلِ الكونجرس.. وفي الثاني: هناك فصل بين رئاسة الجمهورية والوزراء، تبعاً للخريطة الحزبية في الجمعية الوطنية. أردوغان يحكم، تقريباً، بعيداً عن البرلمان.. وبدون وجود رئيسٍ للوزراء، محتمل يكون مخالفاً لتوجهه السياسي، حتى لو كان من حزبه.

بالرغم أن الدستور التركي الجديد ينص على احتمال محاكمة الرئيس على جرائم قد يرتكبها، إلا أن ذلك من الصعب، إن لم يكن من المستحيل تصورها عملياً. في هذه الحالة يحتاج الأمر لثلثي أعضاء البرلمان لمحاكمته وعزله، إلا أن هذا أمرٌ مُسْتبعَدٌ، في ظل أغلبية يتمتع بها تحالف أردوغان. كما أن للرئيس نفوذا قويا على السلطة القضائية (المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين)، بتعيينه 6 من أعضاء المجلس الـ13، بينهم وزير العدل ونائبه.. و7 فقط يختارهم البرلمان! وإن كان تحالف الرئيس يشكل الأغلبية المطلقة في البرلمان، فإنه من الصعب تصور أي من السبعة القضاة الذين يعينهم البرلمان بعيدين عن نفوذ الرئيس. وحتى يسيطر الرئيس على العضوية في البرلمان ترك الدستور ارتباط الرئيس بحزبه، مع اعتباره سياسياً وأخلاقياً رئيساً لجميع الأتراك، وفي هذا شبه كبير بعلاقة الرئيس الأمريكي بحزبه.

باختصار: أردوغان سيحكم تركيا ديمقراطياً لـ5 سنوات وربما لـ10، دون تهديد مؤسساتي (دستوري) يُذكر لسلطته.. وبعيداً عن سطوة الجيش، الذي قُصت أجنحته.. وقُلمت مخالبه.. وخُلعت أنيابه، بعد أن كان القوة الرئيسية «الطاغية» في جمهورية أتاتورك الأولى.