بكر عويضة 

لم يجد كارل كلمات تصف فظاعة مقتل روبرت أفضل من القول: «إنه كابوس الكوابيس». ما يجمع روبرت مع كارل هاياسن يتجاوز أنهما شقيقان، إذ يُضاف للجوامع بينهما أن كلاً منهما عشق مهنة الصحافة واتخذها سبيلاً منذ مطلع الشباب كي يكمل معها المشوار على طريق الحياة، وهو بالضبط ما حصل مع روبرت، مساعد مدير تحرير «كابيتال غازيت»، الذي كان على موعد مع الموت مساء نهاية الأسبوع الماضي، عندما سقط قتيلاً بينما هو واقف وسط زملائه في قاعة تحرير الصحيفة في أنابوليس بولاية ماريلاند.

روبرت هاياسن واحد بين خمسة ضحايا قُتلوا في جريمة قتل عشوائي جديدة تضاف إلى مسلسل كوابيس فوضى سوق الأسلحة الفردية الأميركي. وفق إحصائية تسبق حادث صحيفة «كابيتال غازيت»، رفعت مجزرة مدرسة «سانتافي العليا» في تكساس (18-5-2018) عدد حوادث إطلاق النار داخل مدارس أميركا منذ مطلع هذا العام إلى 10 حوادث. تورد إحصائية أصدرها «GUN VIOLENCE ARCHIVE»، في الولايات المتحدة من الأرقام ما يصدم أكثر. تقول إن عدد صرعى إطلاق الرصاص العشوائي خلال الأعوام (2014 – 2017) بلغ 56 ألفاً و755 صريعاً، بينهم ألفان و710 تلاميذ سقطوا ضحايا في ألف و333 مجزرة شهدتها مدارس أميركية. هذه الأرقام لا تشمل 22 ألف قتيل انتحروا بإطلاق النار على أنفسهم خلال الفترة ذاتها.
وصف «كابوس الكوابيس» -كما ورد في حديث كارل هاياسن، الكاتب في جريدة «ميامي هيرالد»، لقناة «سي إن إن» حول مصرع شقيقه روبرت، وزملائه- ربما يلخص أسوأ وضع داخلي واجه بناة الحلم الأميركي، منذ صدور إعلان الاستقلال (4-7-1776). أحياناً، تقرأ وتسمع من الكلام ما يسعى للتقليل من ذلك الشأن المؤلم. يضرب أحدهم مثلاً بالقول إن أعداد قتلى المجازر الداخلية في كثير من دول العالم النامي، أو المتخلف، تتجاوز بمئات آلاف البشر، عدد صرعى حرية امتلاك المسدس أو البندقية، وربما المدفع الرشاش، في بيوت الأميركيين. قدر ما قد تجوز مقارنة الأرقام هذه، قدر ما أنها تغفل حقيقة الفارق بين المُتوقع، على صعيد الأمان الفردي، من مجتمعٍ كالأميركي قطع من الأشواط الكثير، والمهم، على طريق التقدم الحضاري، وبين مجتمعات لم تزل، حتى بعدما حصلت على الاستقلال، تتخبط في صراعات تخلف واقعها القبلي، وفشل أغلبها في تحقيق الحد الأدنى من مستوى السلام الاجتماعي بين مختلف مكوناتها العرقية والثقافية. لذا، يمكن القول إن الاعتداد بمقارنات بين أعداد ضحايا العنف الداخلي بهذا البلد أو ذاك، سوف يجانب الموضوعية إذا قُصد منه تهوين ما يشهده مجتمع ما مقابل ما يقع في آخر.

كوابيس الحلم الأميركي الخارجية ليست أقل شأناً هي أيضاً. تختلف الرؤى، داخل أميركا وخارجها، في النظر إلى هذا الأمر. هناك من يرى أن انطواء الولايات المتحدة على ذاتها ومن ثمّ انكباب ساستها ورجالات اقتصادها على تحقيق أفضل مستويات الرفاهية والأمان لمواطنيها، أفضل لها مما جلب عليها كل تورطٍ لها في قارات العالم كافة، تقريباً. ربما. آخرون لهم رأي ينسف هكذا تصور تماماً ويعدّه غبياً. ممكن. إنما غير المختلَف عليه، تقريباً، هو أن الحلم الأميركي واجه، ولم يزل، كوابيس تقلق منام كل من جلس، وسوف يجلس، في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض. ربما يتميز الأميركيون وحدهم (عدا كندا وأستراليا) بالاعتزاز بعَلَمهم ورفعه على أسطح بيوتهم، أو تثبيته على النوافذ، وربما نصب سارية له في الحديقة. ذلك حق لهم، لأن الكوابيس لم تعطل حلمهم عن المضي إلى الأمام.

زاوية «حدث في مثل هذا اليوم»، التي يواظب عليها عدد من كبريات صحف العالم، تشير إلى إتمام «الشرق الأوسط» سنتها الأربعين اليوم. بعدما وضع هشام ومحمد علي حافظ حجر أساس ذلك الحلم (1978) نجح كلٌّ منهما في إطلاقه إلى فضاء إعلام عربي ودولي شرس المنافسة. كبر الحلم وتطور، ثم قوي عوده واشتد العصب منه مع تأسيس الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز، رحمه الله، المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق (1987). يحق لكل من أسهم، ولم يزل، وأسهمتْ، ولا تزال، في انطلاق هذا الحلم نحو نجاح أكبر، أن يفرح بما حقق، وأن تفرح. نعم، صحيح أن كل الأحلام قد تعترضها كوابيس عراقيل، لكن ليس لأحد أن يصادر حق أحد في... الحلم!