أحمد الصراف 

 سمعت بهذه القصة غير العادية عندما أجرت الـ«بي بي سي» مقابلة مع بطلها، الضابط الهندي.
بدأت أحداثها قبل بضع سنوات عندما قام والد فتاة هندية باتهام القديس الدكتور غورميت رام، باغتصاب ابنته، أثناء قيامه بعلاجها.


يقول الضابط الهندي الذي كلف بالتحقيق في القضية إنه لم يصدق رواية الفتاة، واعتبر الأمر نوعا من التشهير بـ«القديس الدكتور» الذي له أتباع يقارب عددهم خمسين مليونا، وصاحب كرامات، وبإمكانه الحصول على ما يريد، فلِمَ يعتدي جنسيا على فتاة مريضة؟!
يقول الضابط إن اتهام الفتاة، إن صدق، سيشكل نقطة تحول في حياته، ولكن إدانة تلك الشخصية القوية والخطيرة بمثل ذلك الجرم دونه أهوال. فللقديس اتباع شرسون، ويستمع لمحاضراته الملايين، وكان بينهم يوما رئيس وزراء الهند شخصيا. ويعتبر صاحب رسالة دينية مقدسة، ويعتقد اتباعه أنه مرسل من السماء، فكيف يمكن لعاجزة فقيرة مثل تلك الفتاة، وفتاة أخرى، اتهامه بتهم خطيرة؟
بعد إخضاع الفتاة الأولى لاستجواب مكثف، وعرف منها أدق تفاصيل الحادثة وأين تمت، وقام بعدها بالحصول على إذن باستدعاء القديس الى مركز الشرطة، ولكن هذا رفض المثول أمامها لاعتقاده أنه فوق القانون.
بعد صبر ومعاناة، نجح الضابط في اقتحام قلعة «أشرام» الحصينة، وتبين للضابط أن وصف الفتاة للغرفة السرية التي اغتصبت فيها كان دقيقا. وكان لا بد من توجيه اتهام رسمي للقديس، وهذا ما تم في نهاية الأمر.
بعد تحقيقات استمرت فترة طويلة صدرت مذكرة الاتهام بحق القديس، فاشتعلت الاضطرابات في مختلف المدن الهندية، ولقي ما لا يقل عن 38 شخصا حتفهم فيها، هذا غير مئات المصابين.
قُدِّم القديس الى عدة محاكمات، وتحسبا لأي طارئ، وقبل صدور الحكم النهائي، أعلنت الأحكام العرفية في الولاية، ومنعت مختلف وسائل النقل من التحرك خوفا من نقل انصاره الى محيط المحكمة واتخذت أقصى درجات الحيطة، مع اوامر بإطلاق النار الفوري على أي من اتباعه، كما عطلت جميع الدوائر الحكومية والمدارس في المدينة. وعندما صدر حكم الإدانة على القديس المحبوب، المولع بالمجوهرات والملابس الجلدية الفاخرة، والسينما، حيث مثل فيلما ظهر فيه كمرسَل يمتلك قوى خارقة، بإمكانه استخدام عدة سيوف في قتاله، والتصدي لقوى قادمة من الفضاء الخارجي، لم يصدق أحد أنه سيكون بتلك القسوة، حيث حكم عليه بالسجن عشرين عاما، عن تهمتي الاغتصاب، وهنا اشتعلت الاضطرابات في مدن كثيرة، وقام مؤيدوه بإشعال النار في المباني الحكومية، وإتلاف محطات القطارات والحافلات العامة، وسرقة المحال والهجوم على مراكز الشرطة ومحطات التلفزيون، وتجاوزت الخسائر مئات الملايين.
ليس مهما التفاصيل، فهي كثيرة، وأصبح القديس وراء القضبان، وتبخرت الهالة حوله، وانهارت امبراطوريته الأسطورية بعد أن تبين عجزه عن فعل شيء لإنقاذ نفسه.
ما لفت نظري في مقابلة الـ«بي بي سي» مع الضابط الذي تولى القضية، والذي انتظر اربع سنوات قبل أن يثلج صدره صدور الحكم بسجن الغورو، ما ذكره في المقابلة من أنه فوجئ بالرجل الذي كان أمامه في السجن، بعد تطبيق أنظمة السجن عليه من خلع ملابسه المزركشة وإزالة لحيته الكثة، ومسح ما على وجهه من اصباغ ورفع ما حول عنقه من خرز وسلاسل ذهبية، أنه وجد أمامه شخصا تافها لا يعرف كيف يدافع عن نفسه ولا يملك من الفهم إلا القليل، واستغرب كيف استطاع شخص نصف متعلم ومشعوذ أن يصل الى ما وصل اليه من نفوذ على عقول وقلوب 50 مليونا من الاتباع.
ذكرني كلام الضابط عن القديس بالهالة التي صنعها البعض للكثير من رجال الدين بيننا، بحيث أصبح من المستهجن سؤالهم، بل فقط الاكتفاء بالاستماع لهم. وهؤلاء ، وإن كانوا بحجم اصغر، يتّبعون السبل نفسها في التغرير باتباعهم بعباءاتهم المزركشة ولحاهم الكثة وأشكالهم المهيبة وأغطية رؤوسهم المختلفة، وطريقة كلامهم المنمقة، وجملهم الدينية المحوّرة، وما صنعوه لأنفسهم، أو صنعه أتباعهم لهم من هالات تقارب القداسة، بحيث تحولوا الى رموز دينية يمنع نقدها، لتبقى صورتهم تلك مصدرا للنفوذ والمال، وغالبا لمصلحة الأفاقين الذين يدورون في فلكهم.
انظروا حولكم، وستعرفون الذين اقصدهم.