محمد العسومي 

بعد فشل ما يُطلق عليه تهكماً «الربيع العربي» في كل بلدانه تقريباً، لجأت حملة التحريض والتشهير إلى الجانب الاقتصادي لعلها تحقق المطلوب، حيث تزعمت قناة «الجزيرة» القطرية والإعلام الإيراني هذه الحملات، ابتداءً من عام 2012 عندما تم الادعاء بأن العملة البحرينية في طريقها للانهيار لتتحول العشرة دنانير إلى دينار واحد فقط! إلا أن ما حدث هو المزيد من الاستقرار للدينار البحريني المرتبط بالدولار الأميركي، في حين هوت العملة الإيرانية بنفس نسبة التحريض، ليرتفع الدولار من عشرة آلاف ريال في عام 2011 إلى مئة ألف ريال حالياً ضمن عملية انهيار غير مسبوقة، علماً بأن سعر الدولار عند اندلاع الثورة المشؤومة كان مئة ريال فقط.

وتجددت هذه الحملة في عام 2014 مع انهيار أسعار النفط، وتتجدد حالياً مع وجود تحديات يتعرض لها الاقتصاد البحريني نعتبرها عادية جداً، إذ تواجه مثلها العديد من الاقتصادات في العالم، بما فيها بعض الاقتصادات المتقدمة، كالاقتصادين الإيطالي واليوناني اللذين يتعرضان لتحديات أعقد وأكثر خطورة من تلك التي يواجهها الاقتصاد البحريني. الفرق هنا أنه لا يوجد تحريض وتشويه للاقتصادين الأوروبيين مثلما هو الحال مع البحرين، فنسبة الدين العام في إيطاليا واليونان مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي أعلى بكثير من نظيرتها في البحرين، بل لا توجد مقارنة بين الحالتين.

وبصورة موضوعية، هل يواجه الاقتصاد البحريني تحديات بحاجة لحلول؟ الجواب نعم، لكن أيضاً يمكن معالجة هذه التحديات، فالدَّين العام بحاجة لضبط حتى لا يتدحرج بصورة أكبر، كما أن الإدارة المالية والاقتصادية بحاجة لإصلاحات، وهو ما تساعد وتدعو إليه دول الخليج الثلاث، السعودية والإمارات والكويت، التي أعلنت عن تقديم دعم كبير لهذه الإصلاحات، أعلنت معها وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني أن ذلك «سيعزز من تصنيف البحرين الائتماني».

وهل الأمر بحاجة لمشاريع تنموية لتوفير مزيد من فرص العمل؟ أيضاً نعم. والمطلوب من القطاع الخاص الخروج من شرنقة الخمول والتردد واستعادة أنشطته التنموية بدلاً من الصراع العقيم على مناصب غرفة التجارة!

تلك وغيرها مسائل تتوافر لها حلول عملية ومتاحة، فالوضع ليس بالصورة التي تروج لها وسائل الإعلام المعادية، ومعها المعارضة البحرينية المرفهة بأموال الشعبين الإيراني والقطري، فبغض النظر عن هذه التحديات، فالاقتصاد البحريني يملك مقومات جيدة للنمو، كما أن التطورات والتوجهات المحلية والخليجية تفتح له آفاقاً رحبة لتحقيق تقدم اقتصادي وتحسن ملحوظ في مستويات المعيشة، إذ يمكن تسجيل بعضها على النحو الآتي:

أولاً، هناك توجه استراتيجي إماراتي سعودي أُعلن عنه مؤخراً سيؤدي إلى إحداث نُقلة اقتصادية واستراتيجية نوعية، والبحرين ليست بمعزل عن هذا التوجه، بل هي قريبة جداً، ويمكن أن تصبح جزءاً منه، وذلك إضافة إلى الدعم الكويتي الصادق، والذي نفذ وينفذ مشاريع تنموية ذات آفاق مستقبلية.

ثانياً، ستساهم الاكتشافات الجديدة للثروة، وبالأخص الغاز الطبيعي، في توفير قدرات مالية مهمة للبحرين في السنوات القليلة القادمة، وهو ما سيعزز من وضعها الاقتصادي.

ثالثاً: يعتبر الاقتصاد البحريني من بين أكثر الاقتصادات الخليجية تنوعاً، وذلك رغم أن هذا التوجه بحاجة لدعم إضافي، فالتوسعة الحالية لمصهر الألمنيوم ستحوله إلى أكبر مصهر للألمنيوم في العالم، إضافة إلى التوسعة المرتقبة في مصنع التكرير، كما أن البحرين تملك فرصاً ذهبية للتوسع في العديد من القطاعات، بما فيها النقل والسياحة، تلك القطاعات التي يمكن فتحها للاستثمار الأجنبي، والتي يمكن من خلالها توفير الكثير من فرص العمل.

رابعاً: تملك البحرين طاقات بشرية مؤهلة ونادرة يمكن أن تساهم في دعم التوجهات وتحديث الاقتصاد.

لهذه وغيرها من الأسباب يمكن القول، وبثقة، بأنه لا خوف على الاقتصاد البحريني متى ما عولجت القضايا والتحديات -وهو ما يتم عملياً في الوقت الحالي- علماً بأنه يلاحظ تحسن ملحوظ في مستويات المعيشة في الوقت الذي تتواصل فيه حملة التحريض والتشوية القطرية الإيرانية، والتي سيتبخر تأثيرها، كما تبخرت تأثير الحملات السابقة.