FINANCIAL TIMES

 جيم براندسين وجاي تشازان ومايكل بيل

صممت إيطاليا على عرقلة قمة قادة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق حول مسألة الهجرة – وهو تصعيد عجيب للتوترات، في اجتماع كان يمكن أن يقرر مصير المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.


حظرت روما القرارات الصادرة حول الاقتصاد والأمن والقضايا الرقمية في الجلسة الافتتاحية للاجتماع في بروكسل يوم الخميس الماضي، على اعتبار أنها كانت تسعى للحصول على مساعدة "ملموسة" في تعاملها مع تدفق طالبي اللجوء.

قال أحد الدبلوماسيين في الكتلة الأوروبية في تعليقه على الموقف الإيطالي: "لن يتم التوصل إلى اتفاق حول أي شيء إلى أن يتم الاتفاق على كل شيء" في شأن الهجرة، فيما كان رؤساء الحكومات يتجهون إلى ما يهدد بأن يكون عشاء عمل انقسامي. 
وصف مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي ممن حضروا الاجتماع إيطاليا بأنها "تحتجزنا رهينة لديها".
ألغى المجلس الأوروبي للقادة مؤتمرا صحافيا كان من المقرر عقده في وقت مبكر من المساء ذاك، وأصدر متحدث رسمي بيانا مقتضبا يقول فيه إنه "بسبب احتفاظ أحد الأعضاء بموقفه المتعلق بكافة النتائج، لم يتم الاتفاق على أي نتائج في هذه المرحلة".
مهدت إيطاليا الطريق لمزيد من الدراما خلال مأدبة العشاء في الوقت الذي كانت تستعد فيه لاقتراح نهاية للحظر المفروض على قروض جديدة من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية إلى روسيا، في إشارة إلى رغبة الحكومة الجديدة في روما في توثيق العلاقات أكثر مع موسكو.
على الأرجح كانت تلك الفكرة ستجد معارضة من بعض الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي التي تفضل اتخاذ مسار صارم ومتشدد مع روسيا، استجابة لحادثة تسميم العميل المزدوج سيرجي سكريبال في المملكة المتحدة، وابنته يوليا.
تكتيكات التعطيل التي تتبعها روما في مؤتمر القمة تهدد وضع السيدة ميركل بعد أن وجه إليها حلفاؤها في الائتلاف المحافظ إنذارا نهائيا للتوصل إلى نهج أوروبي للتعامل مع طالبي اللجوء الذين يصلون ألمانيا لكنه سبق لهم أن سُجِّلوا في بلدان أخرى.
على الرغم من البوادر المبدئية للدعم المقدم من بلدان بما فيها اليونان وفرنسا وإسبانيا، تعقدت مهمة المستشارة الألمانية بشكل كبير بسبب مطالب إيطاليا. 
تسعى روما إلى إحداث تغيير كبير في قواعد اللجوء في الاتحاد الأوروبي والحصول على مساعدة عملية من بلدان أخرى للتعامل مع المهاجرين الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط.
جيوسيبي كونتي، رئيس الوزراء الإيطالي قال محذرا: "إن لم نتمكن هذه المرة من التوصل إلى أي استعداد من جانب بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى، يمكن أن ينتهي هذا المجلس من دون التوصل إلى موافقة على النتائج المشتركة".
لدى وصوله إلى القمة، قال كونتي إن إيطاليا تحتاج إلى إعادة توجيه كبيرة لسياسة الهجرة المتبعة في الاتحاد الأوروبي، وإنها لن تكتفي بمجرد "الكلمات أو البيانات".
كما أضاف: "كفانا ما حدث. هذه هي الفرصة لنا جميعا لنظهر التضامن أخيرا بالأفعال (وليس بالأقوال)".
وإلى أن تحقق إيطاليا بعض التقدم من حيث التوصل إلى أهدافها، تعهدت بمقاومة السياسات التي تسعى إليها برلين، والتي من شأنها أن تشتمل على إرسال المهاجرين مرة أخرى إلى إيطاليا، ممن استقروا بطريقة غير قانونية في بلدان الاتحاد الأوروبي الشمالية.
ميركل، التي قالت إن قضية الهجرة يمكن أن تقرر "مصير الاتحاد الأوروبي"، يتعين عليها أيضا التعامل مع النزاع الذي قد يتسبب في إسقاط حكومتها، مدفوعا بدعوات من شركاء ائتلافها البافاري للتوصل إلى ضوابط لمراقبة الحدود ضد طالبي اللجوء.
رفضت المستشارة التنازل لمطالب حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي في منح شرطة الحدود الألمانية السلطة لرفض دخول اللاجئين، الذين كانوا قد تقدموا من قبل بطلبات اللجوء في بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى.
بدلا من ذلك، تستهدف إبرام 10 اتفاقيات ثنائية مع بلدان أوروبية أخرى من شانها أن تجعل من الأسهل إعادة إرسال طالبي اللجوء ممن كانوا قد تقدموا بها رسميا في بلدان أخرى.
قال رئيس وزراء لوكسمبورج كزافييه بيتل، في تعبير عن دعمه للسيدة ميركل بعد أن وصل لحضور القمة: "هنالك كثير من الناس ممن وصلوا من بلدان مختلفة ومن ثم شقوا طريقهم للوصول إلى ألمانيا. أتفَهَّم قول ألمانيا: لماذا يتعين علينا التعامل مع كل هذه الأمور؟".
أضاف بيدرو سانشيز، رئيس وزراء إسبانيا الجديد، قائلا إنه ينبغي على الزعماء المشاركين في القمة أن يكونوا على استعداد لإظهار "التضامن" مع ألمانيا، "التي تعاني الآن من أزمة سياسية".
غير أن التوترات حول قضية الهجرة أعادت فتح الانقسامات بين الحكومات الشرقية والغربية، والتي يعود تاريخها إلى أزمة اللاجئين في عام 2015، في الوقت الذي تعمل فيه أيضا على إحداث الفُرقة بين الجنوب والشمال.
سعى مسؤولو الاتحاد الأوروبي بشكل محموم إلى إيجاد سبل للتوفيق بين مواقف كل من فيكتور أوربان من المجر وسيباستيان كورتز من النمسا، اللذين يريدان التركيز على تشديد الرقابة على الحدود، وبين القادة مثل سانشيز الذي يدعو إلى المزيد من التضامن مع بلدان خط المواجهة في جنوبي أوروبا.
ازدادت المخاوف من أن الانقسامات قد تعرض مستقبل منطقة الشنيجن (التي يمكن عبور بلدانها يدون جوازات سفر) في أوروبا للخطر، ذلك أن القادة يؤيدون وجهات متناقضة حول سياسة مشتركة بشأن اللجوء السياسي. 
قال كورتز: "يبدو الأمر وكأننا على وشك أن نشهد تغيرا كبيرا في سياسات الهجرة. وهذا أمر مهم لأننا كنا نطالب بتغيير منهجي منذ سنوات".
يأمل دونالد توسك، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، في دفع البلدان نحو التوصل إلى خطط لتخفيف الضغط من خلال بناء مراكز معالجة في شمالي إفريقيا للمهاجرين الذين تم إنقاذهم في البحر - وهي فكرة حازت على تأييد واسع النطاق من قبل الحكومات.
في إشارة تدل على كيفية تحول الرياح السياسية في قضية الهجرة، حذر توسك من أن خططه معتدلة مقارنة بما كان يتم تقديمه من قبل بعض العواصم: "ربما يعتقد البعض أنني صارم جدا في مقترحاتي بشأن الهجرة، لكن كونوا على ثقة بأنه إذا لم نتفق على تلك المقترحات، حينها سنرى بعض المقترحات الصعبة حقا – من قبل بعض الأشخاص المتشددين حقا".
السيدة ميركل لم تعول كثيرا على الآمال بأن قمة الخميس الماضي، كانت ستؤدي إلى تحقيق إصلاحات كبيرة في نظام اللجوء الأوروبي بما يمكنها كسر الجمود في برلين. وقالت في خطاب لها أمام البرلمان قبل السفر إلى بروكسل: "لم نصل بعد إلى المرحلة التي نريد الوصول إليها".
الأزمة التي تواجهها أوروبا الآن لا تشبه ولو من بعيد الأزمة التي واجهتها في عام 2015، حين كان يصل آلاف المهاجرين إلى الجزر اليونانية بشكل يومي. 
يقول المجلس الأوروبي إن أعداد المهاجرين الذين يدخلون الاتحاد الأوروبي بصورة غير قانونية انخفض بنسبة 96 في المائة منذ الذروة التي وصل إليها في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2015.