طوني فرنسيس

القضايا كلها عدا القرم، يمكن أن تبحث في هلسنكي. هذا التصريح المنسوب إلى الكرملين يوضح مدى استعداد الجانب الروسي للذهاب بعيداً في مناقشة العناوين التي يمكن ان يطرحها الجانب الأميركي في القمة المرتقبة بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في هلسنكي بعد عشرة أيام.

لم يبخل الجانبان خلال الأيام الأخيرة في الحديث عن قضايا القمة، ويأتي الوضع السوري في مقدمها مع كل ما يتفرع عنه من تفاصيل، ثم تتدرج لتشمل أوكرانيا ونشاط حلف الأطلسي وتوسعه في شرق أوروبا... ومسألة العقوبات المفروضة على روسيا. غير أن اتساع جدول الأعمال المفترض لا يخفي أولويات الطرفين، وهما حددا تلك الأولويات في لقائهما العابر في دانانغ (فيتنام) في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وأعلناها في بيان مشترك ركز خصوصاً على «التزامهما سيادة سورية واستقلالها ووحدتها ووحدة أراضيها وطابعها العلماني». وبعد صدور البيان أشاد ترامب بعلاقته مع بوتين وقال إن إقامة علاقات جيدة مع روسيا هو دعم لمصالح الولايات المتحدة، خصوصاً في ما يتعلق بملفات كوريا الشمالية وسورية وأوكرانيا.

حصلت تطورات كثيرة منذ قمة دانانغ. تمكنت قوات النظام في سورية من تحقيق مكاسب كبيرة في محيط دمشق بدعم كثيف من القوات الروسية. وتابعت موسكو مسار آستانة بالتنسيق مع إيران وتركيا من دون اتضاح أفق سياسي لهذا التنسيق ينعكس حلولاً وتسويات على الأرض. وشجعت تصريحات ترامب عن انسحاب من سورية قوى مثل إيران وتركيا على توهم إمكانية تحقيق مكاسب إضافية وملء فراغ قد يحصل. في المقابل تكرس التنسيق العسكري الروسي الأميركي في سورية ( جرى تثبيته في لقاء فيتنام) وواكبه تنسيق روسي – إسرائيلي سمح بمواصلة شن غارات إسرائيلية على مواقع في سورية تتبع إيران و«حزب الله».

في هذا الوقت تابع ترامب حملته الكورية وانتزع اتفاقاً مع زعيم كوريا الشمالية يقضي بنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية وتطبيع العلاقات بين الكوريتين وفي الشرق الأقصى. إلا أن الخطوة الأميركية الأبرز كانت الخروج من الاتفاق النووي مع إيران وربط استعادة العلاقات الطبيعية معها بتعديل سياستها في المنطقة العربية، وفي تفسير أكثر وضوحاً خروجها من سورية.

يأتي ترامب وبوتين إلى موعدهما الثاني مزودين بـ «إنجازين»: كوريا إنجاز ترامب الكبير، وسورية إنجاز بوتين الناقص حتى لو تم حسم معركة درعا عشية هلسنكي. وسيسعيان في اجتماع طال انتظاره إلى الخروج وتقديم شيء ما للعالم يصوب صورتيهما، الأول بوصفه رمزاً للاعتباطية والتهور كما يقول منتقدوه في أميركا نفسها، والثاني بصفته قادراً على شن الحروب وإجراء تجارب على أسلحته من دون حساب لآلاف القتلى والمشردين. سيرحب بوتين بما تم في كوريا الشمالية لكنه سيكون مضطراً للاستماع بجدية لما سيقوله ترامب عن مستقبل سورية وموقع إيران فيها. وهو لن يستمع فقط، بل سيتعاون كما تقول المؤشرات، ما دام الأمر لا يتناول... القرم.